رَحِمَ اللهُ رَجُلاً قَامَ مِنَ الليلِ فَصَلَّى
رَوَى أحْمَدُ وَأَبُو دَاودَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قالَ: رَحِمَ اللهُ رَجُلاً قَامَ مِنَ الليلِ فَصَلَّى ثُمَّ أَيْقَظَ امْرَأَتَهُ فَصَلَّتْ فَإِنْ أَبَتْ نَضَحَ في وَجْهِهِا الْمَاءَ، رَحِمَ اللهُ امْرَأَةً قَامَتْ مِنَ الليلِ فَصَلْتَ وَأَيْقَظَتْ زَوْجَهَا فَصَلَّى فَإِنْ أَبى نَضَحَتْ في وَجْهِهِ الْمَاءَ”. وَالنَّضْحُ هُوَ الرَّشُّ.
وَرَوَى الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِي اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: “لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عليهِ وسلَّم يَدَعُ هَؤُلاءِ الْكَلِمَاتِ حِينَ يُمْسِي وَحينَ يُصْبِحُ: “اللهُمَّ إِنِّي أَسْألُكَ الْعَافِيَةَ في دِينِي ودُنْيَايَ وَأَهْلِي وَمَالي، اللهُمَّ اسْتُرْ عَوْرَاتي وَآمِنْ رَوْعَاتي وَاحْفَظْنِي مِنْ بَيْنِ يَديَّ وَمِنْ خَلْفي وَعَنْ يَمِينِي وَعَنْ شِمَالي وَأعُوذُ بِعَظَمَتِكَ أَنْ أُغْتَالَ مِن تَحْتي”. الْعَافِيَةُ في الدِّينِ مَعْنَاهُ أَنْ يَكُونَ الْمَرءُ مَحْفُوظًا مِنَ الْوُقُوعَ في الْحَرَامِ مُؤَدِّيًا لِمَا أَوْجَبَ اللهُ عَلَيْهِ. وَالرَّوْعُ بِالْفَتْحِ الْفَزَعُ. وَيُقَالُ في اللُّغَةِ اغْتَالَهُ إِذَا أَخَذَهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَدْرِ.
وَأخْرَجَ الْبُخَارِيُّ عَنْ شَدَّادِ ابْنِ أَوْسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلَّم: “سَيِّدُ الاسْتِغْفَارِ أَنْ يَقُولَ الْعَبْدُ اللهُمَّ أَنْتَ رَبِّي لا إِلَهَ إِلا أنْتَ خَلَقْتَنِي وَأَنا عَبْدُكَ وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ ما اسْتَطَعْتُ أعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنْعْتُ أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلِيَّ وَأَبُوءُ بِذَنْبِي فَاغْفِرْ لِي فَإِنَّهُ لا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاّ أَنْتَ”. وَفي اللُّغَةِ تَقُولُ بَاءَ فُلانٌ بِكَذَا أَيْ أَقَرَّ وَاعْتَرَفَ.
وَرَوَى ابْنُ حِبَّانَ وصَحَّحَهُ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ صلى اللهُ عليه وسلم: “إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَكْثَرُهُمْ عَلَيَّ صَلاةً”. فَائِدَةٌ: مَعْنَى قَوْلِنَا اللهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ يا رَبِّ زِدْ مُحَمَّدًا شَرَفًا وَتَعْظِيمًا. وَبَعْضُ الْعَوامِّ يَقُولُونَ صَلي بِالْيَاءِ وهَذَا غَلَطٌ فَاحِشٌ لأَنَّ هَذَا خِطَابُ الأُنْثَى، وَبَعْضُ الْعَوَامِّ يَقُولُونَ سَلِّ بِالسِّينِ وهَذَا غَلَطٌ فَاحِشٌ لأنَّ التَّسْلِيَةَ تَكُونُ لِلْمَحْزُونِ وَرَسُولُ اللهِ لَيْسَ مَحْزُونًا.
وَعَنْ عُمَرَ رَضيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: كانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا مَدَّ يَدَيْهِ في الدُّعَاءِ لَمْ يَرُدَّهُمَا حَتَّى يَمْسَحَ بِهِمَا وَجْهَهُ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ، قَالَ الْحَافِظُ ابنُ حَجَرٍ الْعَسْقَلانِيُّ: ولَهُ شَوَاهِدُ مِنْهَا حَديثُ ابن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا عِنْدَ أبي دَاودَ وَغَيْرِهِ وَمَجْمُوعُهَا يَقْضِي بِأَنَّهُ حَدِيثٌ حَسَنٌ. اهـ. وَمَعْنَى رَفْعِ الْيَدَيْنِ في الدُّعَاءِ إِلى السَّمَاءِ إِشَارَةٌ إِلى تَعْظِيمِ الْمَدْعُوِّ أَيِ اللهِ، قَالَ النَّوَوِيُّ لأَنَّ السَّمَاءَ قِبْلَةُ الدُّعَاءِ كَمَا أَنَّ الْكَعْبَةَ قِبْلَةُ الصَّلاةِ. وَالسَّمَاءُ مَشْحُونَةٌ بِالْمَلائِكَةِ كَما وَرَدَ في الْحَديثِ فَلا تُرْتَكَبُ فيها الْمَعَاصِي فَهِيَ مَهْبَطُ الرَّحَمَاتِ والبَرَكَاتِ فَلَيْسَ لَهَا مِيزَةٌ بِسُكْنَى اللهِ فِيها كَمَا تَوَهَّمَ بَعْضُ الْعَوامِّ فاللهُ تعالى مَوْجُودٌ بِلا جِهَةٍ وَلا مَكانٍ. وَمِمَّا يُسْتَفَادُ مِنْهُ من هَذَا الْحَدِيثِ وُجُودُ الْبَرَكَةِ فَإِنَّ الدَّاعِيَ بِالدُّعَاءِ الْحَسَنِ خَرَجَتْ مِنْهُ أَنْفَاسٌ بِأَلْفَاظٍ تَضَمَّنَتْ طَاعَةً فَحَسُنَ عَقِبَ ذَلِكَ أَنْ يَمْسَحَ وَجْهَهُ لِلْحُصُولِ عَلَى أَثَرِ هَذِهِ الْبَرَكَةِ وَهَدْيُ مُحَمَّدٍ صلى اللهُ عليه وسلم أحْسَنُ الْهَدْيِ.
مِنْ حَقِّ الْمُسْلِمِ على الْمُسْلِمِ
رَوَى الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ قَالَ “حَقُّ الْمُسْلِمِ على الْمُسْلِمِ خَمْسٌ رَدُّ السَّلامِ وَعِيَادَةُ الْمَرِيضِ وَاتِّبَاعُ الْجَنَائِزِ وَإِجَابَةُ الدَّعْوَةِ وَتَشْميتُ العَاطِسِ”، في هَذَا الْحَديثِ دَليلٌ على عُظْمِ ثَوَابِ مَنْ يَفْعَلُ هَذِهِ الأُمُورَ لَكِنْ بِنِيَّةٍ حَسَنَةٍ وَهِيَ نِيَّةُ التَّقَرُّبِ إلى اللهِ تعالى. وَمَعْنَى قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ “حَقُّ الْمُسْلِمِ على الْمُسْلِمِ” أَنَّ هَذِهِ الأُمُورَ مِمَّا يَنْبَغِي لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَقُومَ بِهَا في حَقِّ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ وَذَلِكَ في أَمْرِ عِيَادَةِ الْمَرِيضِ وَإِجَابَةِ الْدَّعْوَةِ وَاتِّبَاعِ الْجَنَائِزِ وَتَشْميتِ الْعَاطِسِ وَهُوَ أَنْ يَقُولَ لَهُ يَرْحَمُكَ اللهُ إِذَا عَطَسَ فَحَمِدَ اللهَ، في كُلِّ هَذَا مِنْ بَابِ الاسْتِحْبَابِ أَيِ النَّدْبِ لا الْفَرْضِ، أمَّا رَدُّ السَّلامِ فَهُوَ مِنْ بَابِ فَرْضِ الْكِفَايَةِ إِذَا سَلَّمَ وَاحِدٌ على جَمَاعَةٍ أَمَّا إِنْ سَلَّمَ رَجُلٌ على رَجُلٍ أَوِ امْرَأَةٌ على امْرَأَةٍ فَيَكُونُ الرَّدُّ فَرْضَ عَيْنٍ.
وَرَوى التَّرْمِذِيُّ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلَّمَ قال “مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَعُودُ مُسْلِمًا غَدْوَةً إِلا صَلَّى عَلَيْهِ سَبْعُوَنَ أَلْفَ مَلَكٍ حَتَّى يُمْسي وَإِنْ عَادَهُ عَشِيَّةً إِلا صَلَّى عَلَيْهِ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ حَتَّى يُصْبِحَ وَكَانَ لَهُ خَرِيفٌ في الْجَنَّةِ”، وَالْخَرِيفُ هُوَ الثَّمَرُ الْمُجْتَنَى أَيِ الَّذي يُقْطَفُ، وَمَعْنَى صَلاةِ الْمَلائِكَةِ على الْعَبْدِ الْمُؤْمِنِ اسْتِغْفَارُهُمْ لَهُ.
وَيُسْتَحَبُّ إِذَا زَارَ مَرِيضًا أَنْ يَقُولَ مَا كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلَّم يَقُولُهُ إِذَا دَخَلَ على مَنْ يَعُودُهُ: “لا بَأسَ طَهُورٌ إِنْ شَاءَ الله”، مَعْنَاهُ أَسْأَلُ اللهَ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْمَرَضُ طُهْرَةً لَكَ مِنَ الذُّنُوبِ.
وَقَدْ وَرَدَ في الْحَديثِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلَّم كَانَ يُعَوِّذُ بَعْضَ أَهْلِهِ يَمْسَحُ بِيَدِهِ الْيُمْنَى وَيَقُولُ “اللهُمَّ رَبَّ النَّاس، أَذْهِبِ الْبَأس،واشْفِ أَنْتَ الشَّافي، لا شِفَاءَ إِلا شِفَاؤُك، شِفَاءً لا يُغَادِرُ سَقَمَا” رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ.
وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم رَقَى نَفْسَهُ وَرَقَى غَيْرَهُ، فقد ثبت أَنَّ الرَّسُولَ صلى الله عليه وسلم عَادَ عُثْمَانَ بنَ عَفَّانَ في مَرَضِهِ فَرَقَاهُ وَقَالَ “أُعِيذُكَ بِاللهِ الوَاحِدِ الأَحَدِ الصَّمَد، الَّذي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَد، مِنْ شَرِّ مَا تَجِد”.
وَعَلَّمَ الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم عُثْمَانَ بن أَبي الْعَاصِ أَنْ يَضَعَ يَدَهُ على الَّذي يَألَمُ مِنْ جَسَدِهِ وَأنْ يَقُولَ “بِسْمِ اللهِ ثَلاثًا” يَرْفَعُهَا عَنِ الْمَوْضِعِ بَعْدَ كُلِّ مرّةٍ ثُمَّ يَضَعهَا وَيَقُول سَبْعَ مَرَّاتٍ “أَعُوذُ بِعِزَّةِ اللهِ وَقُدْرَتِه مِنْ شَرِّ مَا أَجِدُ وَأُحَاذِرُ”.
وَقَدْ رَوَى التِّرْمِذِيُّ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال: “مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَعُودُ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ في مَرَضِهِ فَيَقُولُ سَبْعَ مَرَّاتٍ أَسْأَلُ اللهَ الْعَظِيمَ رَبَّ الْعَرْشِ الْعَظِيمَ أَنْ يَشْفِيَكَ إِلا عَافَاهُ اللهُ مَا لَمْ يَحْضُرْ أَجَلُهُ”.
فائدة عظيمة
عن زيد بن سهل الانصاري قال : دخلتُ على النبي صلى اللهُ عليهِ وسلم وأسارير وجهه تبرق فَقلتُ: مارأيتكَ أطيبَ نفسا ولا أظهر بشرا من يومك قال: وما لي لاتُطِيبُ نَفسِي ويُظِهر بشري أتاني ءات من عند ربي عز وجل فقال: من صلى عليك من أمتِكَ صَلاة ٌكتبَ الله لهُ بِها عشرَ حَسَنات ٍ ومَحَا عَنهُ عَشُر سيئات ورفع له عشر درجات وردّ عليه مثلها. رواه احمد.
قوله صلاة : اي طلب لك من الله دوام التشريف ومزيد التعظيم.
قوله كتب الله له: اي في صحيفته ،فإضافة الكتابة للذات المقدس للتشريف اذِ الكاتب الملائكة.
قوله عشر حسنات: اي ثوابها مضاعفا الى سبعمائة ضعف الى اضعاف كثيرة لان الصلاة ليست حسنة واحدة بل حسنات.
وقوله ومحا: أي أزال من صُحف الحفظة.