افتراق الأمة
الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ وصلَّى الله على سيّدنا محمدٍ أشرف المرسلين وعلى ءاله وصحبه
الطيبين الطاهرين اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلا وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلا أما بعد
فقد روى الترمذي أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: (( افترقت اليهود إلى إحدى وسبعين
فرقة وافترقت النصارى إلى اثنتين وسبعين فرقة وستفترق أمتي إلى ثلاث وسبعين فرقة كلهم
في النار إلا واحدة وهي التي على ما أنا عليه وأصحابي )) وفي رواية: (( وهي السواد
الأعظم )) وفي رواية لهذا الحديث وهي (( الجماعة )). والمقصود بالجماعة في أحاديث
الرسول صلى الله عليه وسلم جماعة المسلمين ليس صلاة الجماعة، والمقصود بالسواد الأعظم
الجمهور الغالب فالله تعالى حفظ أمة محمد من أن يضل جمهورها الغالب بل يبقى الجمهور من
المسلمين دائمًا على الحق إلى أن يأتي يوم القيامة وإن برزت فرق شذت عن الإسلام خلال
القرون الثلاثة الأولى أو بعد ذلك إلى زماننا هذا لكن يبقى دائمًا جمهور المسلمين على ما عليه
الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة. بعد وفاة الرسول عليه الصلاة والسلام ظهرت فرقة
تسمى المعتزلة هذه الفرقة تسمى القدرية أيضًا الرسول حدث عنها قبل أن تظهر فقال عليه
الصلاة والسلام: (( صنفان من أمتي ليس لهما في الإسلام نصيب المرجئة والقدرية )) .
المرجئة فرقة الآن ما عاد لها وجود كانت في الماضي ثم اندثرت ما عاد لها وجود، فرقة
كانوا يقولون: [ الإنسان الكافر لا تنفعه الحسنات كذلك المؤمن لا تضره السيئات ] هو الكلام
الأول صحيح الإنسان الكافر لا تنفعه الحسنات الرسول عليه الصلاة والسلام قال: (( الكافر
يطعم بحسناته في الدنيا فإذا أفضى إلى الآخرة لم يكن له منها نصيب )) يعني الكافر إذا أحسن
في هذه الدنيا أطعم الفقراء عطف على اليتامى والمساكين الله يعطيه في الدنيا مالاً وصحة
ورزقًا واسعاً أما في الآخرة ما له نصيب ليس له نصيب في الآخرة. فالرسول عليه الصلاة
والسلام في هذا الحديث قال: (( صنفان من أمتي ليس لهما في الإسلام نصيب المرجئة
والقدرية ))رواه الحافظ محمد بن جرير الطبري والإمام أبو حنيفة. القدرية هم المعتزلة وسموا
قدرية لأنهم نفوا تقدير الله للأشياء قالوا الله تعالى لا يقدّر كل شئ إنما الله شاء وجود أجسام
العباد وشاء الخير ولم يشأ الشر فأشركوا بالله تعالى لأن الله تعالى قال: ﴿ قل الله خالق كل
شئ ﴾. وقال: ﴿ هل من خالق غير الله ﴾. وقـال: ﴿ والله خلقكم وما تعملون ﴾. يعني الله خلقنا
وخلق أعمالنا إن كانت خيرًا وإن كانت شرًا هو خلقها المعتزلة قالوا لا كيف يكون الله خالق
الشر ويعاقب على الشر فنسبوا خلق الفعل إلى العبد فقالوا العبد هو يخلق فعله والعبد هو يشاء
الشر وإبليس هو يشاء الشر أما الله قالوا لا يشاء إلا الخير فجعلوا اللهَ في ملكه مغلوبًا. الإنسان
يكون له من الولد أحياناً عشرة فيطلع بعض أولاده على حسب إرادته وبعض أولاده على غير ما يريد، لأنَّ الإنسان مغلوب على أمره أما الله فقال عن نفسه: ﴿ والله غالب على أمره ﴾، لا
يجوز أن يكون الله مغلوبًا بل هو غالب على أمره يعني لا أحد يمنع نفاذ مشيئته هذا معنى: ﴿
والله غالب على أمره ﴾.
إمام من أئمة أهل السنة والجماعة يسمى الإمام أبا إسحاق الأسفراييني التقى بشخص من
المعتزلة كان شيخًا في المعتزلة عند قاض معتزلي يقال له عبد الجبار فأراد هذا المعتزلي أن
ينصر عقيدته عقيدة الاعتزال فقال: سبحان من تنزه عن الفحشاء، يريد بذلك أنا نحن أي
المعتزلة ننزه الله على أن يكون شائيا للشر وخالقا له. فقال له الإمام أبو إسحاق: ( سبحان من
لا يقع في ملكه إلا ما يشاء ) يعني معناه نحن ننزه الله الذي لا يحصل في ملكه إلا ما أراد.
فقال له هذا المعتزلي قال له: أيحب الله أن يعصى ؟ فقال له الإمام أبو إسحاق الأسفراييني:
( أيعصى ربنا قهرًا ؟ ) يعني تكون المعصية رغمًا عنه في ملكه وكل شئ ملكه. فقال
المعتزلي: أرأيت إن حكم علي بالردى (أي بالضلال) ومنعني الهدى أحسن إلي أم أساء؟ فقال
له الإمام أبو إسحاق: ( إن منعك ما هو لك فقد أساء وإن منعك ما هو له فإنه يختص برحمته
من يشاء ). فقال المعتزلي: أنت مجنون، للإمام أبي إسحاق. فقال له الإمام أبو إسحاق: ( لست
مجنونًا ولكن وقف حمار الشيخ في العقبة ) معناه أنت ما وجدت جواباً أنا ألزمتك بالحجة
العقلية أنا غلبتك يعني هنا ما ذكر ءاية إنما بالدليل العقلي غلبه؛ وهكذا أئمة أهل السنة يغلبون
أهل الضلال بالحجج النقلية وبالحجج العقلية. هؤلاء المعتزلة الرسول لما قال من أمتي ما عنى
بذلك أنهم مسلمون لا إنما أراد بقوله من أمتي أي من الذين هم سمعوا دعوتي إلى الإسلام
هؤلاء يسمون أمة الدعوة أما المؤمنون فيسمون أمة الإجابة أي سمعوا بدعوة الرسول
واستجابوا لدعوته آمنوا به فكانوا مسلمين، فهنا لما قال الرسول صلى الله عليه وسلم :
(( صنفان من أمتي ليس لهما في الإسلام نصيب المرجئة والقدرية )) معناه سمعوا بدعوة
الإسلام أي بلغتهم الدعوة وليسوا من المؤمنين إنما ينتسبون إلى الإسلام انتسابا.
هذه الفرقة المعتزلة انقسمت إلى عشرين فرقة ثم ظهر الخوارج، الخوارج أيضا فرقة شاذة
عن المسلمين هؤلاء يقول بعضهم: من عصى الله خلد في جهنم. ويقول بعضهم: أن مرتكب
كبيرة يخلد في جهنم والله يقول في القرءان الكريم: ﴿ إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون
ذلك لمن يشاء ﴾. هذا دليل أهل الحق على أن الله قد يغفر للمؤمن كل الذنوب الكبائر
والصغائر. ماذا قال الخوارج ؟ قالوا: لا، الله تعالى من مات عاصياً له بكبيرة من الكبائر
يخلد في نار جهنم، وكلامهم مخالف للقرءان ولكلام الرسول عليه الصلاة والسلام. الرسول
مرة جاءه شخص وجده يصلي فصلى معه ولما انتهى من الصلاة قال له: يا رسول الله قد
حصل مني كيت وكيت، حكى له معصية حصلت معه. قال له الرسول: (( هل صليت معنا ؟ ))
قال: نعم صليتُ معك. قال: (( قد غفر الله لك بصلاتك معنا )). قال: يا رسول الله ألي خاصة ؟
قال: (( لك ولسائر أمتي )). يعني معناه الصلاة تكون سببا لتكفير خطايا، قال: (( لك ولسائر
أمتي )). أولئك يقولون: يخلد في جهنم. وهذا ما قال للرسول تبت إلى الله بعد ما قال له: صليت
معنا، قال: نعم صليت معكم. قال: (( قد غفر الله لك بصلاتك معنا )). أما الخوارج فناقضوا هذا
قالوا: إذا ارتكب معصية فإنه يخلد في نار جهنم.
هؤلاء الخوارج أصل نشأتهم حين حصل خلاف بين معاوية وعلي، علي رضي الله عنه كان
خليفة بحق بايعه المسلمون أولاً ثم طالبَ بالخلافة معاوية، والرسول عليه الصلاة والسلام كما
في صحيح مسلم يقول: (( إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما )) يعني الخليفة الحق هو الذي
بويع له أولا من قبل أهل الحل والعقد أهل الحل والعقد هم الذين يعرفون الحلال والحرام في
الأمة العلماء يعني المتقين هؤلاء أهل الحل والعقد يقال لهم، فعليّ هو أول من بويع ثم أراد
معاوية طالب بالخلافة ثم حصل خلاف معروف ثم حصلت قضية تسمى قضية التحكيم،
معاوية أرسل عمرو بن العاص عنه ليتكلم في هذا الموضوع وعلي رضي الله عنه أرسل أبا
موسى الأشعري ليفاوض عنه. فقال عمرو بن العاص لأبي موسى كل منا ينزع صاحبه يعني
يعلن أن صاحبي لا يكون خليفة فقال هذا عمرو بن العاص لأبي موسى الأشعري لما اتفقا على
هذا: ابدأ أنت بالكلام. فبدأ أبو موسى على حسب ما حصل الاتفاق فقال: أنا نزعت صاحبي.
فقام عمرو بن العاص قال: أما أنا فأثبت صاحبي. فحصل قتال حصل خلاف وقتال.
هنا لما عليّ رضي الله عنه حكّم أبا موسى الأشعري ومعاوية حكّم عمرو ابن العاص طلعت
هذه الفرقة التي تسمى الخوارج قالوا: كيف تحكمان إنسانا ؟ الله يقول: ﴿ إنِ الحكم إلا لله ﴾،
قالوا: أنتما حكمتما انسانا أنت كفرت وأنت كفرت،كفروا علياًّ وكفروا معاوية وكفروا أبا موسى
وكفروا عمرو بن العاص؛ فمن هنا أول ما نشأت طائفة الخوارج لأنهم خرجوا عن المسلمين
فسموا الخوارج، ثم بلغ عليا ذلك قيل له هؤلاء يقولون: إنك حكمت إنساناً والله يقول: ﴿ إن
الحكم إلا لله ﴾، فقـال علي رضي الله عنه: ( كلمةُ حقٍّ أريد بها باطـل ) يعني ﴿ إن الحكم إلا لله
﴾ ءاية قرءانية هم أرادوا بها باطلا لأن هذه الآية لا تمنع تحكيم البشر. أليس جاء في القرءان
إذا رجل اختصم مع امرأته أن يحكّم هو شخصاً من أهله وهي تحكّم شخصاً مِن أهلها، هذا
التحكيم وارد في الشرع له مواضع ورد فيها أمر التحكيم كذلك في أمر الزواج المرأة إذا كان
وليها غير موجود متوفى أو ليس أهلاً كان وليها مرتداً أو كان فاسقاً وتريد أن تتزوج ولا
يوجد خليفة يجري العقد ولا يوجد قاضٍ شرعيّ يجري لها العقد ماذا تفعل ؟
فالفقهاء يقولون تحكّم إنسانا ديِّنا من أهلِ البلد من صلحاء البلدِ هو ينوب عن وليها في إجراء
العقد لها والرجل يحكّم هذا الإنسان يكون هذا بمثابة القاضي في النكاح. الحاصل أن التحكيم
موجود في الدين تحكيم الشخص في بعض المسائل الفقهية هؤلاء وضعوا الآية في غير
موضعها، ما هو موضعها ؟ موضعها عن قضية يعقوب عليه السلام لما أراد أن يدخل مع
أولاده إلى مصر وكان له أولاد كلهم جملاء الخلقة جميلي الصورة يوسف كان أجملهم لكن
جميعهم كانوا حسان الصورة، فقال لهم لا تدخلوا من باب واحد وادخلوا من أبواب متفرقة،
يعني خشي عليهم من أن يصابوا بالعين، مصر كان لها أبواب يدخل الناس منها فقال لهم: لا
تدخلوا مصر من باب واحد وادخلوها من أبواب متفرقة إن الحكم إلا لله، يعني أنا أقول لكم هذا
لكن القضاء النافذ لله، الله يفعل ما يشاء هذا معنى ﴿ إن الحكم إلا لله ﴾، ليس معناه أنه لا يجوز
تحكيم إنسان بقضية شرعية ليس معناه ذلك، لذلك سيدنا علي ماذا قال ؟ قال: ( كلمة حق أريد
بها باطل ). يعني وضعوا الآية في غير موضعها هذا معناه.
هذه الفرقة الخوارج انقسموا إلى عشرين فرقة والمعتزلة انقسموا إلى عشرين فرقة وظهرت
الروافض أي الشيعة، الشيعة أصل مبدئهم كانوا يقولون: الخلافة كانت لعلي، وأبو بكر وعمر
وعثمان أخذوا الخلافة بغير حق. فخوّنوا بذلك كل المسلمين في ذلك الوقت ووصفوا علياًّ
بالجبن وهم يدعون محبته. وقالوا: إن الرسول أوصى بالخلافة لعلي. فيقال لهم: لو كان
الرسول أوصى لعلي بالخلافة عليٌّ يسكت عن هذا الأمر، وهو أشجع الصحابة ؟!! كان سيدنا
علي من حيث الإقدام والبروز والمعارك هو كان الأظهر أما من حيث ثبات القلب فكان أقوى
صحابي هو أبو بكر الصديق رضي الله عنه هو أقوى صحابي من حيث ثبات القلب والشجاعة
العامة أما من حيث الإقدام والبروز في المعركة علي كان الأبرز، فلو كان الرسول أوصى
لعلي بالخلافة علي يسكت عن هذا ؟!! ما كان ليسكت بدليل لما خرج عليه معاوية قاتله، فإذًا
عليّ ليس جباناً حتى يسكت عن وصية الرسول صلى الله عليه وسلم كما تزعم الشيعة،
الرسول ما أوصى له بالخلافة. الرسول لما مرض أمر عائشة أن تقول لهم أن يصلي بهم أبو
بكر، قال: (( مروا أبا بكر فليصل بالناس )). ولما مات الرسول اجتمع بعض الصحابة وقالوا:
الرسول رضيه لأمر ديننا أفلا نرضاه لأمر دنيانا فولوه الخلافة، ولّوا أبا بكر للخلافة بعد
الرسول صلى الله عليه وسلم. الرسول كان يصلي قابضًا عليه الصلاة والسلام وعلي رضي
الله عنه كان يصلي مع القبض هكذا وهو روى عن الرسول ذلك، قال: ( رأيت الرسـول
صلى الله عليه وسلم يصلي واضعًا كفه الأيمن على كفه الأيسر، هو علي روى ذلك عن
الرسول، والرسول صلى الله عليه وسلم قال: (( أمرنا معاشر الأنبياء بتأخير السحور وتعجيل
الفطور وأن نضرب بأيماننا على شمائلنا في الصلاة )). حتى إن الشيعة كان لهم قاض يسمى
قاضي حسين هذا كان عالماً فيهم، قال: بحثت عن أصل لسدل اليدين في الصلاة فلم أجد فعدت
إلى القبض. كان من الشيعة، قال بحثت عن أصل للسدل يعني هل يوجد رواية صحيحة عن
الرسول أنه صلى مسدلاً، ما وجدت ولا عن علي، فقال: فعدت إلى القبض.
الحاصل أن الشيعة انقسموا إلى عشرين فرقة فصار المجموع ستين فرقة ثم ظهرت بقية الفرق
كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم ثم ظهرت هذه الفرق الثلاث والسبعين كلها والفرقة
الناجية لم تزل موجودة وستبقى إلى يوم القيامة لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (( ولا
تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله )) يعني إن
كثر المضلون ومهما كان لهم بروز ومهما كان لهم مال ومهما كان لهم تلفزيونات ومهما كان
لهم سلطة لابد أن تبقى فئة من أمة الرسول عليه الصلاة والسلام لها ظهور وبروز بالحق إلى
أن يأتي يوم القيامة هذه الفرقة تسمى أهل السنة والجماعة.وهم الأشاعرة والماتريدية.
والله أعلم وأحكم…….