الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد.
قال شيخنا رحمه الله أما بعدُ فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:إذَا ماتَ ابنُ ءادمَ انقَطعَ عَملُهُ إلا مِن ثَلاثٍ صَدَقةٍ جَارِيةٍ وعِلمٍ يُنتَفَعُ بهِ أو ولدٍ صَالحٍ يَدعُو لَهُ“رواه البخاري ومسلم وغيرُهما.
الصّدَقةُ الجَارِيةُ كَأن يَبنيَ مَسجِدًا أو مَدرَسةً للعِلم النّافِع أو دَارًا للمُسَافِرينَ يَنزِلُونَ فيها أو يُجرِيَ نهَرًا أو يَتركَ مُصحَفًا لِيَقرَأ فيه النّاسُ ونحوُ ذلكَ. أمّا العِلمُ الذي فيه التّرغِيبُ في هذا الحديثِ فهو عِلمُ الدّينِ وما يُساعِدُ على ذلكَ كالنّحْوِ والصّرْفِ،الرسولُ عليه السّلام قدَّمَ الصّدقَةَ الجاريَةَ ثم ذَكَر العِلْمَ لا لأنّ الصّدقةَ الجَاريةَ أفضلُ مِنَ العِلم بل العِلمُ أفضَلُ إذا كانَ العِلمُ عِلمَ الدّين ،لأنّ عِلمَ الدّينِ حَياةُ الإسلامِ. وأفضَلُ العُلومِ الدّينيةِ التّوحيدُ لأنّ به يُعرَفُ اللهُ ،ومعرفةُ اللهِ أساسُ الدِّينِ لا يكونُ الشّخصُ مسلِمًا بدُونِ مَعرِفةِ الله ،فمَن لم يَعرفِ اللهَ لا يَنفَعُهُ شَىءٌ مِنَ الأعمَالِ لا الصّلاةُ تَنفَعُه ولا الحجُّ ولا قراءَةُ القُرءانِ ،ففي هذا العَصر كثيرٌ منَ النّاسِ ينتَسِبُونَ إلى الإسلامِ ويَظُنُّونَ بأنفُسِهم أنهُم مُسلِمُونَ وليسُوا في الحقيقةِ مسلمينَ ،كثيرٌ منهُم يعتَقِدُونَ أنّ اللهَ جِسمٌ مِنهُم مَن يَعتَقدُ أنّ الله جِسمٌ كَثيفٌ كالإنسانِ ومِنهُم مَن يَعتقِدُ أنّه جِسمٌ لطِيفٌ كالنُّور أو الرُّوح ،هؤلاء ما عَرفُوا اللهَ فَهُم كُفّارٌ ،لأنّ الجسمَ اللطِيفَ والكثيفَ مخلُوقٌ والدّليلُ على ذلكَ الآيةُ القُرءانيةُ “الحمدُ للهِ الذي خلَق السّمواتِ والأرضَ وجعَلَ الظُّلُماتِ والنُّور “خَلقَ وجَعَلَ مَعناهُمَا واحِدٌ.معناهُ الله أوجدَ السّمواتِ والأرضَ بعدَ أن كانَا مَعدُومَين ،أَدخَلَهُمَا في الوجُودِ بعدَ العَدم ،وأدخَلَ الظُّلماتِ والنُّورَ في الوجُودِ بعدَ أن كانَا مَعدُومَين،قدَّمَ ذِكرَ الظُّلماتِ على النّورِ لتَأكِيد مخلُوقِيّة النّور .
الخَلْقُ لهُ كَمٌّ وكَيْفٌ ،الكَمُّ معناه مِقدارُ الحجم،الله خَلَق مِنَ الحَجم ما مِقدارُه صَغيرٌ كحَبّةِ الخردَل وخَلَق ما مِقدارُه أكبرُ وهو أكبرُ الأجرَامِ حَجمًا وهو العرشُ وخلَقَ ما بينَهُما من الأحجَام ،الله الذي خَلَق المقدَارَ لا يكونُ لهُ مِقدَارٌ .