قرئ على شيخنا رحمه الله ونفعنا به وأمدنا بأمداده :
قالَ الشّافعِيّةُ مَن شَكَّ في صَلاتِه أَصَلَّى ثَلاثًا أو أَربَعًا بَنى على اليَقِين وأتَى بركعَةٍ وسَجَدَ للسَّهْو،
في الخِرَقيّ والشَّرح الكَبِير والمغني أنّ ظَاهِرَ مَذهَب أحمَد فيمَا إذا شَكَّ المصَلِّي فلَم يَدْر أصَلَّى ثلاثًا أمْ أَربَعًا البِنَاء على اليَقِين للمُنفَرِد والتّحَرّي للإمَام.
وقَالَت الحنَفيّةُ بالتّفصِيل في ذلكَ فقَالوا إذا شَكّ أحَدٌ وهوَ مُبتَدَأٌ بالشّكّ أي لا مُبتَلًى فيهِ استَأنَفَ الصّلاةَ كمَا رُوِيَ ذلكَ عن ابنِ مَسعُودٍ مَرفُوعًا، وعن ابنِ عُمرَ وابنِ عبّاسٍ وعَبدِ اللهِ بنِ عُمرَ وابنِ العَاص مَوقُوفًا مِن قَولِهم،
وإنْ كانَ يَعرِضُ لهُ الشّكُّ كَثِيرا بَنى على أكبَرِ رَأيِه فإنْ كانَ أَكبَرُ رَأيِه أي غَالِبُ ظَنّه ثَلاثًا أضَافَ إلَيها واحِدَةً ثم سَجَدَ سَجْدَتي السَهْو وإنْ كانَ أكبَرُ رَأيِه أنّه أتَمّ الصّلاةَ سَجَدَ سَجْدَتَي السّهْو، وإن لم يكنْ لهُ رَأيٌ بَنى على اليَقِين. قالَ محَمّدُ بنُ الحَسَن ذلكَ في مُوطّئِه ورَوى مِثلَه في كتابِ الآثَار لهُ عن إبراهيمَ وقالَ وبهِ نَأخُذُ وهوَ قَولُ أبي حَنِيفَةَ اهـ. ومِن جُملَةِ مَا احْتَجُّوا بهِ مَا رواه الشّيخَان وغَيرُهما عن ابنِ مَسعُودٍ مَرفُوعًا “إذا شَكَّ أحَدُكُم في صَلاتِه فلَم يَدْر أثَلاثًا صَلّى أم أربَعًا فلْيَتحَرّ أَقْرَبَه إلى الصّوابِ وَلْيَبْنِ عَلَيهِ”. اهـ.
وقولُ المالكِيّةِ كقَولِ الشّافعِيّةِ إلا أنّهم قالوا هَذا في غَيرِ المستَنْكَح الذي يَأتِيْهِ الشّكُّ كُلَّ يَوم، وعلَيهِ حمَلُوا حديثَ أبي مَسعود مَرفُوعًا: “إذَا شَكَّ أحَدُكُم في صَلاتِه فلَم يَدْرِ كَم صَلّى أثَلاثًا أم أَربَعًا فلْيُصَلّ ركعَةً ويَسجُد سَجدَتَين وهوَ جَالسٌ قَبلَ التّسلِيم” اهـ.
وأمّا المستَنكَح أي الذي يَأتيْهِ الشّكُّ كُلَّ يَوم فلَيسَ علَيهِ أنْ يَأتيَ بركعَةٍ بَل يَبني على الأكثَر وعلَيهِ كمَا نقَلَه ابنُ رُشْدٍ حمَل مَالكٌ حَديثَ أبي هُرَيرَة مَرفُوعًا: إذَا صلّى أحَدُكم فلَم يَدْر أثَلاثًا صَلّى أم أربَعًا فلْيسْجُد سَجدَتَين وهوَ جَالِس” اهـ. أخرجه الجماعة.
قالوا كَمَا في مختَصر خَلِيل وشرُوحِه لعِلَيْش والشَرنُوبي وحاشِيَةِ الصَفتي وغَيرِها إنّ الذي يَأتِيْهِ الشّكُ كُلَ يوم علَيهِ أن يَبني وجُوبًا على الأكثَر اهـ. قالَ في شَرح محمَّد عِلَيش على خَليل ممزوجًا مع المتن ج الأول أو استَنكَحَه أي كَثُرَ منهُ الشّكّ في النّقص بأن يَحصُلَ لهُ كُلَ يوم مَرّة فيَسجُد بعدَ سَلامِه ولِهى بكَسْر الهاء وفَتحِها أي أَعرَض عنهُ وجُوبًا وبَنى على التّمَام إذْ لا دَواءَ لهُ مِثل الإعراضِ عَنهُ اهـ.
روَى مَالكٌ في الموطّأ حديثَ أبي هريرةَ المتقَدّم ثم رَوى أنّ رجُلا سألَ القاسِمَ بنَ محمّد فقال إنّي أهِمُ في صَلاتي فيَكثُر ذلكَ عَليَّ فقال القَاسِمُ اِمضِ في صَلاتِكَ فإنّه لن يَذهَبَ عَنكَ حتى تَنصَرِفَ وأنتَ تَقُولُ أَتمَمْتُ صَلاتي اهـ.
قالَ ابنُ عبد البرّ أَردَفَ مَالِكٌ حَديثَ أبي هريرةَ بقَولِ القَاسِم إشَارةً إلى أنّهُ مَحمُولٌ عندَه على المستَنكَح الذي لا يَنفَكُّ عنهُ الوَهْم ونقَل ابنُ المنذِر في الأوسَط أقوالا أخرَى عن غَيرِ مَن تَقدَّم مِن أَهلِ العِلم.