قال الإمام الشيخ عبد الله الهرري رحمه الله وغفر له ولوالديه:
في مدينة حِمص رجلٌ مظهرُه يوهم أنه من الأتقياء من عباد الله الصالحين لكنه جاهل في الدين قال مرةً : الروح ليس مخلوقاً ، فرددتُ عليه فأصر على رأيه هذا قبل ثلاثين عاماً هذا الحوار بيني وبينه ثم منذ سنتين تقريباً بلغني أنه تمشيخ في ذلك الوقت الذي تحدث معي فيه كان إسكافاً الإسكاف ( الكندرجي ) ، الآن تجرّد وتصدر بدعوى المشيخة للناس والعياذ بالله . هذا الإسلام برىءٌ منه لأن الإسلام هو أن يعتقد الإنسان أن الله تبارك وتعالى موجودٌ بلا ابتداء وأن ما سِواهُ كلّه لوجوده ابتداء الروح لوجودها ابتداء والعرش والكرسي وسائرُ العوالِم والنور والظلام كِلاهما لم يكونا في الأزل بل وُجِدا بعد أن كانا معدومين وكذلك كل ما سوى الله وذلك لأن كلمة شىء تشمل كل ما دخل في الوجود من ذوي الأرواح والجمادات والنور والظلام كل هذا يدخل تحت كلمة شىء ، الله تبارك وتعالى أخبرنا في هذه الآية بأن كل ما سوى الله تعالى وُجِدَ بعد عدم أفهمنا بأن ما سوى الله كلَّه بلا استثناء لم يكن في الأزل ثم كان أي وُجِد بعد أن لم يكن موجوداً .
فهذا من التنزيه الذي يجب اعتقادُه إذا الإنسان خَطَرَ له كيف يكونُ النورُ والظلام حادثين بعد أن لم يكونا موجودين فهذا وإن كان يصعبُ على وهم الإنسان تصوُّره لكن يجب اعتقاد ذلك أي يجب اعتقاد أن النورَ لم يكن في الأزل والظلامَ لم يكن في الأزل بل كلاهما وجِدا بعد أن لم يكونا موجودَيْن ، الوهم يصعُب عليه فهمُ هذا لكن العقل يقبل هذا ، وذلك لأن النور حادثٌ ، الضوءُ غير الله كما أن الظلامَ غير الله وهذا زادته وضوحاً آيةٌ قرآنيةٌ أُخرى وهي :{ الحمد لله الذي خلق السموات والأرض وجعل الظلمات والنور } [الأنعام/1] . بعد أن ذكر في هذه الآية أنه هو أوجد السموات والأرض أي خلقها بعد أن لم تكن موجودةً جعلها موجودة بعد ذكر هذا أخبرنا بأن النور والظلمات أيضاً خلقهما الله بعد أن لم يكونا يجب علينا أن نُصدِّق بهذا وإن لم يتصوره وهمنا ، وَهْمُ الإنسان إذا فكَّر في أن النور حادث والظلمات كِلاهما حادث يصعب عليه تصوُّر هذا المعنى ، لكن العقل يقبلُه لأن النور مما يقبل الزيادة والنقصان وكل ما يقبل الزيادة والنقصان فهو حادثٌ مخلوقٌ .
الله تبارك وتعالى ما أمرنا أن نتبع الوهم ما أمرنا بأن نُعلِّق الأشياء على الأوهام ، إنما الله تبارك وتعالى أرشدنا إلى العمل بكتابه القرآن الكريم مع التفكر بعقولنا ، العقل شىء والوهم شىء آخر العقلُ له اعتبار في دين الله تعالى أما الوهم فليس له اعتبار ، فيجب على الإنسان أن يتمسك بهذه الآية الكريمة { ليس كمثله شىء } فلا يعتقد في الله تعالى مُشابهة البشر ولا مُشابهة الملائكة ولا مُشابهة الجمادات ولا مُشابهة النور والظلام ولا مُشابهة الروح أي يجب على الإنسان أن يُنزِّهَ الله تبارك وتعالى عن مُشابهة هذه الأشياء وما سِواَها من المخلوقات . هذه الآية تُعطي هذا المعنى كلَّه وتُعطي تفاصيل زيادةً تفاصيل زائدة على ذلك كتنزيهه تبارك وتعالى عن الشكل والهيئة والتحيز في المكان والتطور والتغير من زيادة إلى نُقصان أو من نقصان إلى زيادة من قوة إلى ضعف أو من ضعف إلى قوة هذه الآية تُعطينا هذه المفاهيم ، ويزيد على ذلك وضوحاً أن الله تبارك وتعالى قال في حق إبراهيم :{ وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم } [الأنعام/83] ما هي تلك الحُجة ؟ استدل على أن الإله لا يكون متطوراً متغيراً متنقلاً من حال إلى حال بأن الكوكب والشمس والقمر يتطورون هذا التطور أي التحوّل من حال إلى حال علامة المخلوق فلا يكون الخالق بهذه المخلوقات مثل هؤلاء الكوكب والشمس والقمر أن إبراهيم استدل بِئفول الكوكب على أن الكوكب مخلوق لا يصح أن يكون خالقاً فلا يصح أن يُعبد لأنه شىء يطرأ عليه التحوّل من حال إلى حال وكل شىء يطرأ عليه التحوّل من حال إلى حال من كوكبٍ وشمسٍ وقمرٍ وغيرِ ذلك لا يكون إلهاً بل الإله لا يكون يُشبه ذلك كلَّه . اهـ