قال شيخنا رحمه الله ونفعنا به وأمدنا بأمداده
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على رسول الله.
قال الله تعالى:
” إنّ أَكرَمَكُم عِندَ اللهِ أَتقَاكُم “هَذهِ الآيةُ الشّريفةُ تُبَيِّنُ أنّ الفَضْلَ عِندَ اللهِ بحسَبِ التّقوى، والتّقوَى هيَ مُلازمَةُ طَاعةِ اللهِ بأَداءِ الواجِباتِ واجتِنابِ المحرَّماتِ، فمَن كانَ اتْقَى كانَ عِندَ اللهِ أَكْرمَ عِبادِه.
كانَ سَيِّدُنا محمّدٌ صلى الله عليه وسلم أَكرَمَ الخَلْقِ علَى اللهِ لأَنّهُ أَتْقَى الخَلْقِ وأَخشَاهُم للهِ.
والتّقوَى مَنبَعُها القَلبُ ثم يَفيضُ أَثرُهَا على الجَوارِح، لأنّ القَلبَ مِن الجسَدِ بمثَابةِ المَلِكِ مِنَ الرّعِيّةِ كمَا أنّ الملِكَ يُدِيرُ شُؤونَ الرّعِيّةِ كذَلكَ القَلبُ يُدِيرُ شُؤونَ الجَسد فهوَ يُدِيرُ السّمْعَ واليَدين، وكذلكَ اللسَانُ يُعَبِّرُ عن الشّىءِ الذي يَنبَعِثُ منَ القَلبِ، وكذلكَ الفَرْجُ، فالقَلبُ إذا أَرسَلَهُ إلى المحَرّمِ يَذهَبُ وإذَا زَجَرهُ يَنزَجِرُ.
القَلبُ يُدِيرُ شَأنَ الجَوارحِ السّمْع والبصَر والرِّجلَين والبَطْن، فَإنْ مَكّن البَطْنَ أن يَأكُلَ مَا يَشتَهِيه يَأكُلُ إنْ كانَ حَلالا أو حَرامًا فحَيثُما يُوجِّهْه القَلبُ يتَوجّه، فالقَلبُ لهُ سُلطانٌ عَليهَا وهوَ أَمِيرُ الجَوارح.
ولما كانَ كذلكَ فالإيمانُ يكونُ منَ القَلبِ فإذَا صلَحَ القَلبُ صلَحَتِ الجوارحُ وإذَا استَقامَ القَلبُ استقَامتِ الجَوارِحُ، لذلكَ كانَ رسولُ اللهِ بما أنّ قلبَه يحتَوي مِن مخَافةِ الله ومحَبّتهِ وتَعظيمِه مَا لا يحتَوِي عَليه قَلبُ إنسانٍ ولا مَلَكٍ مُقَرّبٍ كانَ أَفضَلَ خَلقِ اللهِ.
ليسَ الفَضلُ بطُولِ العُمرِ في العِبادَةِ بل الفَضلُ بما يَحتَوِي مِن خَشْيَةِ اللهِ , فعَلى قَدْرِ مَا يَكُونُ القَلبُ يَحتَوِي مِن خَشيَةِ اللهِ يَكُونُ الإنسانُ أفضَلَ وأَقرَبَ عِندَ اللهِ.أُولوا العَزمِ خَمسَةٌ مِنَ الأنبياءِ وهوَ أَفضَلُهم، فلَو كانَ العِبرَةُ بطُولِ المُدّةِ والعُمرِ بالعبادَةِ كانَ نُوحٌ أفضَلَ مِن سيِّدِنا محمدٍ ومِن إبرَاهيمَ ومِن مُوسَى ومِن عِيسَى علَيهِمُ السّلامُ لكنْ سيدُنا محمّدٌ أقَلُّهُم عُمُرًا ثَلاثٌ وسِتُّونَ سَنةً , أمّا نُوحٌ فَقد عاشَ في قَومِه يَدعُوهُم إلى اللهِ بَعدَ أنْ نَزلَ علَيهِ الوَحيُ ألفَ سنةٍ إلا خمسِينَ، هَذهِ المدّةُ قضَاهَا وهوَ يَنزِلُ عَليهِ الوَحيُ ثم بعدَ ذلكَ عاشَ منَ العُمرِ على قَولٍ سِتّينَ سنَةً وعلَى قَولٍ نحو ثَلاثِمائةِ سَنة، لكنّ اللهَ تَبارَك وتعالى جَعلَ لسَيِّدنا محمدٍ مِن خَشيَةِ اللهِ ومَحبَّتِه مَا لم يَجعَلْهُ في أَحدٍ مِنْ خَلقِ اللهِ ومَلائِكتِه فكَانَ سيِّدُنا محمّدٌ أفضَلَ خَلقِ اللهِ.