قرئ على شيخنا رحمه الله ونفعنا به وأمدنا بأمداده
عن سَعيدِ بنِ عبد العَزيز قال قِيلَ للزُهريّ مَقدَمَهُ مِن عندِ هِشَام بنِ عبدِ الملِك ماذَا صنَع بكَ أمِيرُ المؤمنين، قالَ أدّى عنّي أربعَةَ آلافِ دِينَار دَيْنًا، ثم قالَ ليْ يا ابنَ شِهاب أتَعُوْدُ تَدَّانُ، فقُلتُ لا يا أميرَ المؤمنين. حَدّثني سَعِيدُ بنُ المسيَّب عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “لا يُلْدَغُ المؤمِنُ مِن جُحْرٍ مَرّتَين”. هذَا حَديثٌ صَحِيحٌ أخرجَه ابنُ حِبّان.
(قال شيخنا رحمه الله : معناهُ لا يُضْحَكُ عليهِ لا يُلعَبُ علَيه، معناه يَحْذَرُه.
مَعناهُ لا يَنخَدعُ لمن يُريدُ بهِ الشّرَّ والكَيدَ، لمن يُريدُ أن يَخدعَه بما لا مَصلحَة لهُ فيه، معناه لا يَنخَدِع مَرّةً ثَانيةً إن خَدعَه المرّةَ الأولى، بعدَ أن عَرفَ حَالَه أنّه مُخادِع لا يَنخَدِع لهُ مَرّةً ثَانيَة.
معناهُ لا يَنبَغِي للمؤمن أنْ يَنخَدِع بكُلّ إنسَانٍ خَبِيثٍ حَسَّنَ فيهِ الظَّنَّ أوّلَ مَرّة فسَايَرَه فوَافَقَه فيما أرادَ ثمّ تَبَيَّنَ لهُ أنّهُ خَبِيثٌ فَلا يَنبَغِي لهُ أنْ يَنخَدِعَ لهُ لِيَنَالَ مُرَادَه.)
(قال ابن الأثير في غريب الأثر [ لا يُلْسَع المؤمِن مِنْ جُحْرٍ مَرَّتَيْن ] وفي رواية [ لا يُلْدَغ ] اللَّسْع واللَّدْغ سَوَاء . والجُحْر : ثَقْب الحَيَّة وهو اسْتِعارة ها هنا : أي لا يُدْهَى المؤمِنُ مِنْ جِهَة واحِدَة مَرَّتَين فإنَّه بالأُولَى يَعْتَبر
قال الخطَّابي : يُروَى بضم العَيْن وكَسْرها . فالضم على وجْه الخبر ومعناه أنَّ المؤمن هو الكَيِّس الحازِم الذي لا يُؤتَى من جِهة الغَفْلة فيُخْدَع مَرَّة بعد مَرَّة وهو لا يَفْطِنُ لذلك ولا يَشْعُر به
والمراد به الخِداع في أمِر الدين لا أمْرِ الدنيا
وأمَّا الكسر فَعَلى وجْه النَّهْي : أي لا يُخْدَعَنَّ المؤمِنُ ولا يُؤْتَيَنَّ من ناحية الغَفلة فيَقَع في مكروه أو شَرٍّ وهو لا يَشْعُر به ولْيَكُن فَطِناً حَذِراً . وهذا التأويل يَصْلح أن يكون لأِمْر الدِين والدنيا معاً)
(قال إبراهيم بنُ محمد الحسيني في البيان والتعريف في أسبابِ ورُود الحديث الشريف.
((سبَبُه) أنه لما أُسِرَ أبو عَزّة الجمَحِيّ الشّاعر ببَدر فشَكا عائلةً وفَقْرًا، فمَنّ عَليه النبي صلى الله عليه وسلم وأَطْلَقَهُ بغَيرِ فِدَاء، ثم ظَفرَ بهِ بأُحُد فقال: مُنّ علَيّ وذَكَر فَقرًا وعَائلةً، فقال: لا تَمسَح عَارِضَيكَ بمكة وتَقولُ سَخِرتُ بمحمَّدٍ مَرّتَين” وأَمَر به فقُتِل.
قالَ ابنُ هِشام في تهذيب السّيرة عن سعيد بنِ المسيّب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال حينئذ: لا يُلدَغُ”، فذكَره، فصَار الحديثُ مثلا، ولم يُسمَع قبلَ ذلك.)