قرئ على شيخنا رحمه الله ونفعنا به
قالَ الحافظُ وقَد ثَبَت عن ابنِ عَبّاسٍ مِن رِوايَةِ سَعِيدِ بنِ جُبَير ومِن رِوايَةِ مجَاهدٍ وغَيرِهما عنهُ “مَا شَكَّ رَسولُ الله صلى الله عليه وسلم ولا سَأَلَ” أخرجَه عبدُ بنُ حُمَيد والطَّبَري وابنُ أبي حَاتم بأسَانِيدَ صَحِيحَة. وجَاءَ مِن وَجهٍ آخَرَ مَرفُوعًا مِن لَفظِ النّبيّ صَلّى اللهُ علَيهِ وسَلَّم قالَ “لا أَشُكُّ ولا أَسأَلُ” أخرجُوه مِن رِوايةِ سَعِيدٍ ومَعْمَرٍ وغَيرِهما عن قَتادَةَ قَال ذُكِرَ لَنا وفي لَفظٍ بلَغَنَا فذكَره وسنَدُه صَحِيحٌ أَورَد ذلكَ لتَضعِيف حَديثِ أنّ أبا زُمَيْل سِمَاكَ بنَ الوَليد الحنَفيَّ قالَ سَألتُ ابنَ عَبّاسٍ فقُلتُ “مَا شَىءٌ أجِدُه في صَدْرِي” قال مَا هو قلتُ واللهِ لا أتكَلَّمُ به، قالَ ليْ أشَيءٌ مِن شَكٍ وضَحِكَ، قالَ مَا نَجى مِن ذلكَ أحَدٌ حتى أنزَلَ اللهُ عَزَّ وجَلَّ “فإنْ كُنتَ في شَكّ مما أَنزَلنَا إليكَ فاسْأَلِ الذينَ يقرَؤونَ الكِتَابَ مِن قَبلِكَ” الآيةَ. وقالَ ليْ إذا وجَدتَ في نَفسِكَ شَيئًا فقُل “هوَ الأوّلُ والآخِرُ والظّاهِرُ والبَاطِنُ وهوَ بكُلّ شَىءٍ عَلِيم” قالَ الحافظُ حَديثٌ غَريبٌ أخرجَه أبو داود في أواخِر كِتاب الأدَب وهوَ في آخِرُ كِتَابِ السُنَن
وأَخرَجَه ابنُ أبي حَاتم في التّفسِير قالَ حَدَّثنا أبي ثنا أبو محمّد اليَمَاميّ قال حَدّثنا النّضْرُ ورِجَالُه مُوثَّقُون أخرَج لهم مُسلِم لكن في عِكرمَةَ يَعني ابنَ عَمّارٍ مَقَالٌ والنّضرُ لهُ غَرائبُ وهَذا المتنُ شَاذّ أقولُ رَدُّ الحافظِ كَافٍ وشَافٍ لهذا المقام وهَذا صَوابٌ لا يجُوز العُدُولُ عَنه إلى ما خَالفَه وهوَ مَا في أذكار النّوَوي أنّ حَديثَ أبي زُمَيْل إسنادُه جَيّدٌ وهَذا مِن عُيُوبِ هَذا الكِتَاب فلْيُحذَر مِن أينَ لهُ الجَوْدَةُ.
) فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ لَقَدْ جَاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (94)سورة يونس.
قال النسفي في تفسيره ) فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ”لما قَدّمَ ذِكرَ بَني إسرائيلَ وهُم قُرّاءُ الكِتَابِ ووَصَفَهُم بأنّ العِلمَ قَد جَاءَهُم لأنّ أَمرَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلّم مَكتُوبٌ في التّوراةِ والإنجيل وهُم يَعرِفُونَه كمَا يَعرِفُونَ أبْنَاءَهُم ، أرَادَ أن يؤكّدَ عِلمَهُم بصِحّةِ القُرآنِ وبصِحّة نُبُوّته صلى الله عليه وسلّم ويُبَالِغ في ذلكَ فقَال : فإنْ وَقَع لكَ شَكٌّ فَرضًا وتَقدِيرًا ــــ وسَبِيلُ مَن خَالَجَتْه شُبَهٌ أن يُسَارع إلى حَلّها بالرّجُوع إلى قَوانِين الدّين وأَدِلَّتِه أو بمبَاحَثَةِ العُلَمَاءِ ــــ فَسَلْ عُلَمَاءَ أَهلِ الكِتَاب فَإنّهم مِنَ الإحَاطَةِ بصِحّةِ مَا أُنزِلَ إلَيكَ بحَيثُ يَصلُحُونَ لمراجَعَةِ مِثلِكَ فَضلًا عَن غَيرِكَ فالمرادُ وَصفُ الأحبَار بالرّسُوخ في العلم بصِحّة مَا أُنزِلَ إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلّم لا وَصفُ رَسول الله صلى الله عليه وسلّم بالشّكّ فيه ثم قال{ لَقَدْ جَآءَكَ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ } أي ثبَتَ عندَك بالآياتِ الواضِحَةِ والبَراهِينِ اللّائِحَةِ أنّ مَا أتَاكَ هوَ الحَقّ الذي لا مجَالَ فيهِ للشّكّ { فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ } الشّاكّين.)
(قال الحافظ ابن الجوزي في تفسير: قَولُه تعالى “فَإن كُنتَ في شَكّ” في تَأوِيلِ هَذه الآيةِ ثلاثةُ أقْوَال : أحَدُها أنّ الخِطَابَ للنّبيّ صَلّى الله عليه وسلّم والمرادُ غَيرُه مِنَ الشّاكّينَ بدَليلَ قَولِه في آخِر السُّورَة “إنْ كُنتُم في شَكّ مِن دِيني” يونس 105 ،ومِثلُه قَولُه “يا أيّها النّبيّ اتّقِ اللهَ ولا تُطِع الكَافِرينَ والمنَافقِينَ إنّ اللهَ كانَ عَلِيمًا حَكِيمًا” الأحزاب 2 ،ثم قالَ “بما تَعمَلُونَ خَبِيرُا” الأحزاب 3 ولم يَقُل بما تَعمَلُ وهَذا قَولُ الأكثَرِين.
والثّاني أنّ الخِطَابَ للنّبيّ صَلّى الله عليه وسلم وهوَ المرادُ بهِ، ثمّ في المعنى قَولانِ أحَدُهما أنّهُ خُوطِبَ بذلك وإنْ لم يَكُنْ في شَكّ لأنّه مِنَ المستَفِيضِ في لُغَةِ العَرب أن يَقُولَ الرّجُل لوَلَدِه إن كنتَ ابْني فبَرَّني ولِعَبدِه إنْ كنتَ عَبدِي فأَطِعني وهذَا اختِيَار الفَرّاء، وقالَ ابنُ عبّاسٍ لم يَكُن رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم في شكّ ولا سَأَل، والثّاني أن تَكُونَ إنْ بمعنى مَا، فالمعنى ما كُنتَ في شَكّ فَاسْأَل، المعنى لَسنَا نُريدُ أن نَأمُرَك أن تَسأَلَ لأنّكَ شَاكّ ولَكن لتَزدَادَ بصِيرَةً، ذَكَره الزّجّاج
والثّالث أنّ الخِطَابَ للشّاكّينَ فالمعنى إن كنتَ أيّها الإنسَانُ في شَكّ مما أُنزِلَ إليكَ على لسَانِ محَمّدٍ فَسَل، رُوي عن ابن قتيبة)