قال شيخنا رحمه الله : هو الأوّلُ أي الأزليّ الذي لا ابتدَاءَ لوجُودِه والآخِرُ أي الأبدي الذي لا انتهَاء لوجُودِه، والظّاهِر اللَّهُ تَعَالَى ظَاهِرٌ مِنْ حَيْثُ الدَّلائِلُ الْعَقْلِيَّةُ الَّتِي قَامَتْ عَلَى وُجُودِهِ وَقُدْرَتِهِ وَعِلْمِهِ وَإِرَادَتِهِ لِأَنَّهُ مَا مِنْ شَىْءٍ إِلَّا وَهُوَ يَدُلُّ دِلالَةً عَقْلِيَّةً عَلَى وُجُودِ اللَّهِ كَمَا قَالَ أَبُو الْعَتَاهِيَةِ:
فَيَا عَجَبًا كَيْفَ يُعْصَى الإِلَهُ أَمْ كَيْفَ يَجْحَدُهُ الْجَاحِدُ
وَفِي كُلِّ شَىْءٍ لَهُ آيَةٌ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ وَاحِدُ
وَفِي كُلِّ تَحْرِيكَةٍ آيَةٌ وَفِي كُلِّ تَسْكِينَةٍ شَاهِدُ
وَمَعْنَاهَا أَنَّ جَمِيعَ الْكَائِنَاتِ وَحَرَكَاتِهَا وَسَكَنَاتِهَا تَدُلُّ دِلالَةً عَقْلِيَّةً عَلَى وُجُودِ اللَّهِ تَعَالَى وَكَأَنَّهَا تَنْطِقُ نُطْقًا بِذَلِكَ، فَمَا كَانَ مِنْهَا نُطْقًا كَالْمَلائِكَةِ وَالْمُؤْمِنِينَ مِنَ الإِنْسِ وَالْجِنِّ فَتِلْكَ شَهَادَةٌ حِسِيَّةٌ، وَأَمَّا مَا لا يَنْطِقُ مِنْهَا حِسًّا فَهِيَ شَهَادَةٌ مَعْنَوِيَّةٌ كَأَنَّ لِسَانَ حَالِهَا يَنْطِقُ وَيَقُولُ أَنَا مِنْ صُنْعِ حَكِيمٍ عَلِيمٍ قَادِرٍ مُرِيدٍ مُنَزَّهٍ عَنِ النَّقْصِ هُوَ اللَّهُ. وَالْجَمَادَاتُ قَدْ تَنْطِقُ بِالنُّطْقِ الَّذِي يَفْهَمُهُ الْبَشَرُ بِالشَّهَادَةِ لِوُجُودِ اللَّهِ وَتَقْدِيسِهِ كَالطَّعَامِ الَّذِي سَبَّحَ فِي يَدِ رَسُولِ اللَّهِ وَكَتَسْبِيحِ السُّبْحَةِ فِي يَدِ أَبِي مُسْلِمٍ الْخَوْلانِيِّ كَانَ يُسَبِّحُ بِهَا ثُمَّ نَامَ فَصَارَتِ السُّبْحَةُ تَدُورُ عَلَى ذِرَاعِهِ تَقُولُ سُبْحَانَكَ يَا مُنْبِتَ النَّبَاتِ وَيَا دَائِمَ الثَّبَاتِ. رَوَاهُ الْحَافِظُ أَبُو الْقَاسِمِ بنُ عَسَاكِرَ فِي كِتَابِهِ تَارِيخِ دِمَشْقَ. وَحَصَلَ لِامْرَأَةٍ فِي عَرْسَال أَنَّهَا كَانَتْ ذَاتَ مَسَاءٍ فِي الْكَرْمِ فَسَمِعَتِ الْكَرْمَ يَقُولُ اللَّهُ اللَّهُ. وَمَعْنَى دَائِمِ الثَّبَاتِ دَائِمُ الْوُجُودِ لَيْسَ مَعْنَاهُ السُّكُون.
وَأَمَّا الْبَاطِنُ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ فَمَعْنَاهُ عَلَى مَا قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: الَّذِي يَعْلَمُ حَقَائِقَ الأُمُورِ، وَبَعْضُهُمْ قَالَ: الَّذِي لا تُدْرِكُهُ الأَوْهَامُ أَيْ لا تَبْلُغُهُ تَصَوُّرَاتُ الْعِبَادِ.)