قال شيخنا رحمه الله ونفعنا به \
فإنْ قالَ قائلٌ ألَيسَ قال: {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآَنَهُ} فالجوابُ أنّ قَرَأنَاهُ مَعنَاهُ جَمعنَاهُ لكَ في صَدرِكَ يا محَمَّد، وذلكَ لأنّ الرّسولَ كانَ يُحَرّكُ لِسَانَهُ بالقُرءانِ وجِبريلُ يَتلُو عَليهِ لِئَلّا يُفلِتَ مِنهُ شَىءٌ فنَهَاهُ اللهُ تَعالى عن تَحريكِ لِسَانِه ووَعَدَه أنّهُ يَجمَعُه لهُ في صَدرِه ولا يُفلِت منهُ، وأمّا القُرءانُ بمعنى اللّفظِ المنزَّل المكتُوب في المصَاحِف فهوَ مَا أخَذَه جِبريلُ بأَمرِ اللهِ مِنَ اللّوح المحفُوظِ ثم قرَأهُ على سيّدِنا محمّدٍ، ليسَ مِن تَأليفِ نَبيّ ولا غَيرِه مِنَ المخلُوقَاتِ، أمّا حُرُوفُ القُرءانِ فَهِيَ مَخلُوقَةٌ حَادثَةٌ خَلقَها اللهُ على لِسَانِ جِبريلَ ولِسَانِ سَيّدِنا محمّدٍ وعلى أَلسِنَةِ التّالينَ له،ُ لأنّ اللهَ تَعالى لو كانَ يَنطِقُ بالحَرفِ والصّوتِ لكَانَ مِثلَنا لأنّ الحَرفَ شَىءٌ يَحدُث ثم يَنقَضِي ثم يَتبَعُه غَيرُه ويَنقَضِي ثم يَتبَعُه غَيرُه ويَنقَضِي وهَذا صِفَةُ المخلوق. وهَذا الذي يُوافِقُ الآيَاتِ المحكَماتِ كآيَة: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىءٌ} الآياتُ المتَشابِهَاتُ ظَواهِرُها يُخَالِفُ مَا دَلَّ علَيهِ الآياتُ المحكَمَاتُ، فيَجِبُ أن يوَفَّقَ بَينَ المحكَمَاتِ والمتَشابِهاتِ وذلكَ بتَرك حمل الآياتِ المتشَابِهاتِ على ظَواهِرها، واللهُ تَبارك وتعالى أرادَ أن يَبتَلِيَ عِبادَه ليَسعَدَ مَن أخَذَ بالآياتِ المحكَمَاتِ ولم يَأخُذْ بظَواهِر المتَشَابِهات. ولِيَهلِكَ ويَضِلَّ مَن حمَلَ الآياتِ المتشَابهاتِ على ظَواهِرها، وبيانُ ذلكَ أنّ بَعضَ النّاسِ حمَل هذه الآيةَ: {كُلُّ شَىءٍ هَالِكٌ إِلا وَجْهَهُ} على أنّ وَجهَ اللهِ هَذا الجِسمُ المركَّبُ على البَدَن ففَسَّرَ الآيةَ بقَولِه العَالَم يَفنى يومَ القِيامَةِ كُلّه ولا يَبقَى مِنهُ شَىءٌ واللهُ يَفنى كُلُّه إلا الوَجهَ فوقَعَ في أَشْنَع كُفرٍ، جَعَلَ اللهَ تَعالى يَبقَى يومَ القِيَامَةِ وَجْهًا مجَرّدًا، والوَجهُ بمعنى الجِسم مُستَحِيلٌ على اللهِ إنْ كانَ مع البدَنِ وإنْ كانَ بدُونِ البَدَن. لأنّ الجِسْمَ مُرَكَّبٌ والمركَّبُ يَحتَاجُ إلى مَن ركَّبَه. أجسَامُ العَالَم اللهُ تَعالى رَكَّبَها والذي ركَّبَها كَيفَ يَكُونُ جِسمًا مُركَّبًا. وذلكَ الشّخصُ الذي فَسّرَ الآيةَ هَذا التّفسِيرَ الشّنِيعَ رَجلٌ عرَبيّ يُقَالُ لهُ بَيانُ بنُ سَمعان وتَبِعَه أُنَاسٌ كمَا تَبِعَ هَذا محمّد بن عبد الوهّاب أُنَاسٌ مِن أهلِ نَاحِيَتِه. يُقَالُ لهم البَيانيّةُ هَذا اعتِقَادُهم أنّ اللهَ جِسمٌ يَفنَى ولا يَبقَى مِنهُ إلا هَذا الوَجْه، هؤلاء إخْوَتُه في الاعتقَادِ.