مَحَبَّةُ النَّبيِّ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ*
اعلَمُوا أيُّها الأحِبَّة أنَّنا نُعَظِّمُ ونُحبُّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ غيرِ مُخالَفَةٍ لِشرعِ اللهِ إِنَّما كَمَا أمَرَ اللهُ تعالى، وَكَمَا جَاءَ في شرعِ اللهِ تعالَى فَإِنَّ محبَّةَ سيِّدِنا محمدٍ فرضٌ علَى الْمُكَلَّفينَ؛ فَقَدْ قالَ اللهُ العليُّ العظيمُ في القُرءَانِ الكَريمِ: {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (31)} [آل عمران].
وَقالَ سبحانَهُ في ءَايَةٍ أخرى عن حبيبِه وَصَفِيِّهِ: {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (8) لِّتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (9)} [الفتح].
وَمَعْنَى تُعَزِّرُوهُ هُنا أيْ تُعَظِّمُوهُ.
وقَدْ قالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: لا يُؤْمِنُ أَحدُكُمْ (أَيْ لا يَكْمُلُ إِيمانُهُ) حَتَّى أَكونَ أَحَبَّ إليهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ” رواه البخاري.
كيفَ لا نُحِبُّ مُحمَّدًا وَهُوَ الذي أُرْسِلَ رَحْمَةً للعالمينَ، كيفَ لا نُحِبُّهُ وهو الذِي أُرْسِلَ لِيُخْرِجَ مِنَ الظُّلَمَاتِ إلَى النُّور، كيفَ لا نُحِبُّهُ وَهُوَ قُدْوَتُنا وَهُوَ الهادِي إلَى الصِّراطِ المستقيم، كيفَ لا نحبهُ وهو صاحبُ الخُلُقِ العَظيمِ وَهُوَ أشرفُ الخلقِ والمرسَلِين.
محمدٌ خيرُ مَنْ يمشِي على قَدمِ
محمدٌ باسِطُ المعروفِ جَامِعُهُ .. محمدٌ صَاحِبُ الإِحسانِ وَالكَرَمِ
محمدٌ خيرُ خَلقِ اللهِ مِنْ مُضَرِ .. مُحَمّدٌ خَيْرُ رُسلِ اللهِ كُلِّهِمِ
كيف لا نُحبُّ محمدًا وهو الذي قالَ فيهِ ربُّنا: {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا (64)} [النساء].
كيفَ لا نُحبُّهُ وهو الذي قالَ شفاعَتِي لأَهْلِ الكَبائِرِ مِنْ أُمَّتِي. كيفَ لا نُعَزِّرُهُ وَهُوَ صاحِبُ الشفاعَةِ العُظمَى عندَما يقولُ بعضُ الناسِ في الآخِرَةِ لِبَعْضٍ تَعالَوْا نَذْهَب إلَى أبينَا ءادمَ لِيَشْفَعَ لنَا إلَى رَبِّنا فَيَأْتُونَ إلَى ءادمَ فيقولُ لَهُمْ لَسْتُ فَلانًا (أي أَنَا لستُ صاحِبَ هذهِ الشَّفاعَة) اذْهَبُوا إلَى نوحٍ فيأتونَ نوحًا فيطلبونَ منهُ فيقولُ لهمُ ائْتُوا إبراهيمَ فيَأْتُونَ إبراهيمَ ثم إبراهيمُ يقولُ لهم لستُ فلانًا (أَي أَنَا لستُ صاحِبَ هذهِ الشفاعَةِ) فيأتونَ سيدَنا موسى فيقولُ لهم لستُ فلانًا فيقولُ لهمُ ائْتُوا عيسَى فيقولُ لَهُمْ لستُ فَلانًا ولكنِ اذْهَبُوا إلَى محمدٍ، فيَأْتُونَ النبِيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ فيَسْجُدُ رسولُ اللهِ فيسجدُ حبيبُ اللهِ لِرَبِّهِ فيُقالُ لَهُ ارْفَعْ رَأْسَكَ وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ وَسَلْ تُعْطَ.
رَوَى الحاكِمُ في الْمُسْتَدْرَكِ أنَّ سيدَنا ءادَمَ حينَمَا عَصَى رَبَّهُ (أَي مَعْصِيَةً صغيرةً ليسَ فيهَا خِسَّةٌ وَدَنَاءَةٌ) فقالَ وَذَلكَ قَبْلَ أَنْ يُخْلَقَ محمدٌ صلى الله عليه وسلم: يا رَبِّ، أسأَلُكَ بِحَقِّ محمَّدٍ إِلا مَا غَفَرْتَ لِي، فأَوْحَى اللهُ عزَّ وجلَّ إليهِ يا ءادَمُ كيفَ عَرَفْتَ مُحَمَّدًا وَلَمْ أَخْلُقْهُ (وهو تعالى أعلم) فقالَ نبِيُّ اللهِ ءادَمُ لأنَّكَ يَا ربُّ لَمَّا خَلَقْتَنِي رَفَعْتُ رَأْسِي فرأَيْتُ اسْمَهُ علَى قَوائِمِ العَرْشِ مَكْتُوبًا لا إله إِلا اللهُ محمدٌ رسولُ اللهِ، فعَلِمْتُ أَنَّكَ لَمْ تُضِفْ إلَى اسْمِكَ إِلا أَحَبَّ الخلقِ إِلَيْك.
ولقد أكرَمَ اللهُ أَصحابَ رَسولِ اللهِ الأخيارَ بصُحْبَتِهِ وَرُؤْيَتِهِ وسمَاعِ كَلامِهِ وَرُؤْيَةِ أحوالِهِ فَامْتَلأَتْ قلوبُهُمْ بِمَحَبَّتِهِ حتَّى صارَ أَحَبَّ إليهِمْ مِنْ ءَابائِهِمْ وأَبْنائِهم بَلْ وَمِنْ أَنْفُسِهِم.
يُروَى أنَّ امْرَأَةً مِنَ الأَنْصَارِ يَوْمَ أُحُدٍ سَمِعتْ أَنَّ النبيَّ قُتِلَ، فَخَرَجَتْ مِنَ المدينَةِ لاستِقْبَالِ جيشِ المسلمينَ العَائِد، فَاسْتُقْبِلَتْ بِأَبِيهَا وَابْنِهَا وَزَوْجِهَا وَأَخِيهَا (أَي بِخَبَرِ مَقْتَلِهِمْ)، فَلَمَّا مَرَّتْ علَى ءاخِرِهِمْ قالُوا لَها أَبُوكِ، زَوْجُكِ، أَخُوكِ، ابْنُكِ، فَتَقُولُ مَا فَعَلَ رَسولُ اللهِ؟ فقالُوا لَهَا أَمامَكِ، فَلَمَّا وَصَلَتْ عندَ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أخَذَتْ بِنَاحِيَةٍ مِنْ ثَوبِهِ ثمَّ قالَتْ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللهِ، لا أُبَالِي إِذَا سَلِمْتَ مَنْ عَطِبَ. رواه أبو نُعيم.
وهَذَا عبدُ اللهِ بنُ عمرَ خَدِرَتْ رِجلُهُ (أي أصابها شبه فالج شلل جزئي تعطلت عن الحركة) مَرَّةً فَقِيلَ لَهُ “اذْكُرْ أَحَبَّ النَّاسِ إلَيْكَ” فَقَالَ فَوْرًا يَا مُحَمَّد فقَامَ مُعَافًى بِسِرِّ وبَرَكَةِ حُبِّهِ لِرَسُولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّم. روى هذا الأثر الإمام البخاري في الأدب المفرد.