: ما أجملك يا شهر رمضان موسما للخير، ومحطة لتقويم النفس، ومدرسة للصبر، وفرصة للمواساة … وما أجمل النفوس المرتقية نحو معالي الأخلاق، والقلوب المستنيرة بنور المعرفة النقية وثقافة الاعتدال والوسطية، وما أجمل التمسك بالحق في مواجهة الباطل والغلو والتطرف، وما أجمل السير في مسار الصدق والإخلاص والعدل في زمن الكذب والرياء والظلم.
أهلا بك يا رمضان
فائدة في بركات الدعاء في أوقات مخصوصة في الليل ومعنى بعض ما جاء في حديث مشهور باسم حديث النزول، على ما يليق بالله تعالى مع تنزيهه عز وجلّ عن الحركة والسكون والجهة والمكان وسائر صفات المخلوقات، قال الحافظ ابن حجر في شرح البخاري بعد ذكره رواية أَبِى هُرَيْرَةَ رَضِى اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الْآخِرُ يَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِى فَأَسْتَجِيبَ لَهُ مَنْ يَسْأَلُنِى فَأُعْطِيَهُ مَنْ يَسْتَغْفِرُنِى فَأَغْفِرَ لَهُ.
قال: قوله: (ينزل ربنا إلى السماء الدنيا) استدل به من أثبت الجهة وقال: هى جهة العلو، وأنكر ذلك الجمهور لأن القول بذلك يفضي إلى التحيز تعالى الله عن ذلك.
وقد اختلف فى معنى النزول على أقوال: فمنهم من حمله على ظاهره وحقيقته وهم المشبهة (وهم كفار قاله الإمام أبو منصور البغدادي وغيره) تعالى الله عن قولهم.
ومنهم من أنكر صحة الأحاديث الواردة فى ذلك جملة وهم الخوارج والمعتزلة وهو مكابرة، والعجب أنهم أوّلوا ما فى القرآن من نحو ذلك وأنكروا ما فى الحديث إما جهلاً وإما عناداً.
ومنهم من أجراه على ما ورد مؤمناً به على طريق الإجمال منزهاً الله تعالى عن الكيفية والتشبيه وهم جمهور السلف (السلف ينزّهون الله عن الكيفية مطلقاً) ونقله البيهقى وغيره عن الأئمة الأربعة والسفيانين والحمادين والأوزاعى والليث وغيرهم.
ومنهم من أوّله على وجه يليق (بالله) مستعمل فى كلام العرب. ومنهم من أفرط فى التأويل حتى كاد أن يخرج إلى نوع من التحريف، ومنهم من فصل بين ما يكون تأويله قريباً مستعملاً فى كلام العرب وبين ما يكون بعيداً مهجوراً فأوّل فى بعض وفوّض فى بعض، وهو منقول عن مالك وجزم به من المتأخرين ابن دقيق العيد.
قال البيهقى: وأسلمها الإيمان بلا كيف والسكوت عن المراد إلا أن يرد ذلك عن الصادق (النبي) فيصار إليه، ومن الدليل على ذلك اتفاقهم على أن التأويل المعيّن غير واجب فحينئذ التفويض أسلم.
وقال ابن العربى: حكيٙ عن المبتدعة ردّ هذه الأحاديث، وعن السلف إمرارها، وعن قوم تأويلها وبه أقول.
فأما قوله ينزل فهو راجع إلى أفعاله لا إلى ذاته، بل ذلك عبارة عن ملكه (بفتح الميم واللام مفرد ملائكة) الذى ينزل بأمره (أي بأمر الله) ونهيه (سبحانه)، والنزول كما يكون فى الأجسام يكون فى المعاني، فإن حملته فى الحديث على الحسي فتلك صفة الملك (مفرد الملائكة) المبعوث بذلك، وإن حملته على المعنوي بمعنى أنه لم يفعل ثم فعل فيسمى ذلك نزولا عن مرتبة إلى مرتبة، فهى عربية صحيحة انتهى.
والحاصل أنه تأوله بوجهين: إما بأن المعنى ينزل أمره أو الملك بأمره، وإما بأنه استعارة بمعنى التلطف بالداعين والإجابة لهم ونحوه.
وقد حكى (الإمام) أبو بكر بن فورك أن بعض المشايخ ضبطه بضم أوله على حذف المفعول أى ينزل (بضم الياء) ملكاً (من الملائكة)، ويقويه ما رواه النسائى من طريق الأغر عن أبى هريرة وأبى سعيد بلفظ ”إن الله يمهل حتى يمضى شطر الليل، ثم يأمر مناديا يقول: هل من داع فيستجاب له” الحديث.
وفى حديث عثمان بن أبى العاص “ينادي مناد هل من داع يستجاب له” الحديث.
قال القرطبى: وبهذا يرتفع الإشكال، وقال البيضاوى: ولما ثبت بالقواطع أنه سبحانه منزه عن الجسمية والتحيز امتنع عليه النزول على معنى الانتقال من موضع إلى موضع أخفض منه، فالمراد نور رحمته. انتهى من شرح البخاري للحافظ ابن حجر رحمه الله. وفق الله كاتبه وناشره وأحسن ختامنا آمين