الحمدلله وحده وبعد،
قال القرطبي في تفسيره عند ذكر آية الكرسي (الآية 255) من سورة البقرة: والعلي (أي من أسماء الله تعالى) يراد به علو القدر والمنزلة لا علو المكان لأن الله منزه عن التحيز. والعليّ والعالي القاهر الغالب للأشياء، تقول العرب علا فلان فلاناً أي غلبه وقهره، قال الشاعر:
فلما علونا واستوينا عليهم..
تركناهم صرعى لنسر وكاسر؛
ومنه قوله تعالى: “إن فرعون علا في الارض”.
والعظيم (من أسمائه عز وجل) صفة بمعنى عظيم القدر والخطر والشرف لا على معنى عظم الأجرام. اهـ.
يريد القرطبي رحمه الله أن الله منزه عن المكان والجهة وعن الجسمية وسائر صفات الأجسام لاستحالة ذلك عليه عقلاً وشرعاً. وفي كلامه كذلك دليل على أن الاستواء يجوز أن يطلق بمعنى الاستيلاء والقهر والغلبة بلا مغالبة لقوله إن العلي معناه القاهر الغالب للأشياء.
والأصل قول الله تعالى: “وهو القاهر فوق عباده” وقول الله تعالى: “والله غالب على أمره”.
وهذا كلام الله تعالى من أنكر لفظه او معناه كان ضالاً من الضالين، وهذا يفعله المشبهة.
فلو أوهم تفسير الاستواء في آية سورة طه بالغلبة والقهر والاستيلاء – وهو هنا جائز لا واجب – مغالبة بين الله وخلقه، لكان قوله تعالى “والله غالب على أمره” أولى بالإيهام، ولكن هذا غير جائز ولا سديد بل هو ضلال مبين، وقد قال الله تعالى: “كتب الله لأغلبن أنا ورسلي”، فهل هذا يوهم مغالبة والعياذ بالله.
ثم العرب قالوا: ولـيُغلبن مغالبُ الغلاب (أنظر لسان العرب لابن منظور)، قوله ليغلبن هو بفتح اللام في أوله وضم الياء وتسكين الغين وفتح اللام والباء والنون المشددة.
فوصف الله تعالى بالغلبة والقهر والاستيلاء وأنها من معاني الاستواء الجائزة في حق الله تعالى، معروف عند العرب وهو في كتاب الله تعالى، ومن ردّه فلجهله. والأصل في ذلك نفاذ مشيئة الله تعالى في العرش الممسوك بقدرة الله تعالى، فغيره مما هو أصغر منه الله أقدر عليه، نافذة مشيئته تعالى في الكلّ بلا مضاد ولا ممانعة. وخصّ الله تعالى العرش بالذكر وإن كان قاهراً لكلّ ما سواه كما خص تعالى العرش بالذكر في قوله تعالى “وهو ربّ العرش العظيم” مع أنه عز وجلّ ربّ كلّ شيء، فالعرش ليس استثناء في كونه مربوباً لله تعالى سبحانه ليس كمثله شيء