*الزكاة والأصناف الثمانية*
الحمد لله ربّ العالمين والصّلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى ءاله وصحبه الطيبين الطاهرين. اللهم فقهنا في ديننا وزدنا علما، وارزقنا وأحبابنا الإخلاص في القول والعمل.
يقولُ اللهُ تعالى:ٍ{إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالمَسَاكِينِ وَالعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}.
أنْعَمَ اللهُ عليْنَا بشهرِ رمضانَ شهرِ المَكْرُمَاتِ والفَضَائلِ والخيراتِ، فَقَدْ كانَ رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وَسلّمَ جَوادا أي كريما، وأجوَدَ ما يَكونُ في شهرِ الصيامِ، والزّكاةُ المَفرُوضَةُ ليسَتْ مُتَوَقِفَةً على شهرِ الصِيامِ كما يتوهم كثير من الناس. الزّكاةُ المفرُوضةُ ليست مُتعلقَةً بشهرِ رَمَضَانَ المباركِ. إلا أنّ كثيرينَ اعتادُوا إخراجَ زَكَواتِ أَموالِهِم في هذا الشهرِ العظيمِ إلا أن زكاة الفطرة تدفع في رمضان أو تدفع في أول يوم من أيام العيد بعد رمضان، ومن الناس مَنْ يَنْتَظِرُ مجيءَ رَمضانَ ليدفع الزكاة وقدْ تَكُونُ الزكاةُ وَجَبَت عليه في شهرِ رَجَبَ أو شعبانَ، ومن وجَبَتِ عليه الزكاةُ في شهرِ رَجَبْ كَأَنْ بَدَأَ بالتجارةِ بنصابٍ في شهرِ رَجَبْ فَبَعْدَ مُضِيِ عامٍ وَجَبَ أنْ يُخرِجَ الزكاةَ في شهرِ رَجَبْ وليسَ له أنْ يُؤَخِرَ دفعَ الزَكاةِ بعدَ مُضِيِ عامٍ مِنْ غَيرِ عُذْرٍ كما أنَّ الصلاةَ لا يجوزُ تَأخيرُهَا عن وقتِها بغيرِ عُذْرٍ. يقولُ اللهُ تعالى: {وَفِي سَبِيلِ اللهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللهِ} فَلِمَنْ تُدْفَعُ الزّكاةُ أيْ مَنْ هو الذي يَستَحِقُ أنْ يَقْبضَ زَكاةَ المالِ أوْ زكاةَ الفِطرةِ ويأخذها لنفسه. أصنافٌ ثمانِيَةٌ عَدَّهُمُ اللهُ تعالى في هذهِ الآيةِ الكريمةِ همُ المُستَحِقُونَ للزّكاةِ دُونَ سواهُم. فقد قالَ عليهِ الصلاةُ والسلامُ عنِ الزكاةِ: “صَدَقَةٌ تُؤخَذُ من أَغنيائِهِمْ وَتُدْفَعُ إلى فُقَرَائِهِم” فلا تُدفَعُ الزكاةُ لِغَنيٍ بل تُدْفَعُ للفقيرِ المسلمِ. فقد قَالَ عليهِ الصّلاةُ والسّلامُ عنِ الزكاةِ إنّهُ لا حظَّ فيها لِغَنيٍ ولا لِقَوِيٍ مُكْتَسِبٍ، أيْ مَنْ كَانَ غنياً بِتَرِكَةِ مالٍ أو حِرْفَةٍ يَحْتَرِفُهَا يَكْتَسِبُ مِنها كِفَايَتَهُ فهذا لا يجوزُ لَهُ إنْ وَجَدَ العَمَلَ الذي يغلُّ كِفَايَتَهُ لا يجوزُ له أنْ يَتَقَاعَدَ عَنِ العَمَلِ لِيَطْلُبَ الزكاةَ من الناسِ بدعوى أنّه يريدُ أنْ يتفرَّغَ لِتِلاوَةِ القُرءانِ الكريمِ مثل أو الذِكرِ أو غير ذلك شَهرِ الصِيامِ، هذا إذا كانَ واجِدا للعملِ، أمّا مَنْ كَانَ قوياً في بُنْيَتِهِ، خبيرا في حِرْفَتِهِ ولكنّهُ لا يجدُ عَمَلا يَكْفِيهِ بَلْ كَانَ يغلُّ أقلَّ من نِصفِ كِفَايَتِهِ لِمَسْكَنِهِ ومَطْعَمِهِ ومَلبَسِهِ وَمَنْ تَجِبُ نَفَقَتُهُم عليه فهذا هو الذي يَشْمَلُهُ قولُ اللهِ تَعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ} فمنْ كانت حَاجَاتُهُ الضّروريّةُ الأصليّةُ تُقَدَّرُ على مثالٍ بمائةِ ألفِ ليرةٍ شهريّا ولم يَجِدْ إلاّ أقلَّ مِنَ النصفِ فهذا هو الفقيُر، ليسَ الفقيرُ أحبّتِي هُوَ كلُّ مَنْ يَتَوَسَّلُ على أبوابِ المَسَاجدِ أو يدورُ على قارِعَةِ الطُرُقاتِ يَتَوسلُ ويسألُ الناسَ، فَقَدْ يكونُ هذا غَنِيّا أو قويا يَجِدُ حِرْفَةً أو مِهْنَةً ولكنّهُ ءاثَرَ أنْ يسألَ الناسَ. أمّا المسكينُ فهو الذي إذا كانت حَاجاتُهُ الأصليّةُ مثلا تُقَدَّرُ بمائةِ ألفٍ ولا يجدُ المائةَ ألفٍ بل يجدُ ستينا مثلا يجد فوقَ النِصفِ ولا يجد الكفاية، قال الله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالمَسَاكِينِ وَالعَامِلِينَ عَلَيْهَا} العاملون عليها اليومَ غيرُ موجودينَ لأنهم هُمُ الذينَ يُنَصِّبُهُمُ الخليفةُ الحاكِمُ الإسلامي، وهو الذي يُرْسِلُهُم إلى أصحاب الزكوات يجمعونَ منهم الزَكواتِ. أما المُوَظَّفُونَ في الجمعياتِ الخيريةِ والمؤسساتِ الخيريةِ فلا يَشمَلُهُم قولُ اللهِ تعالى: {وَالعَامِلِينَ عَلَيْهَا} إلا انْ كانَ فَقيرا فَيُعْطى لِفَقْرِهِ. أمّا المؤلفَةُ قلُوبُهُم فهم مِنَ المُسلمينَ نِيَّاتُهُم ضعيفةٌ بينَ المسلمينَ، أسْلَمُوا حديثا، أو لِكَوْنِهم إذا دُفِعَ لَهُم يُرجى أَنْ يُسلِمَ نُظَراؤُهُم.
أمّا في الرّقـابِ، فهذا يَخْتَصُّ بالعبيد المملوكين، هؤلاء إن كاتبوا أسيادهم على أنهم إن دفعوا مبلغ كذا يصيرون أحرارا فهؤلاء يعطون من الزكاة مساعدة لهم حتى يصيروا أحرارا. أما الغارِمُونَ، فَهُمُ الذين ارتكَبَتْهُمُ الدُيُونُ كَأَنِ اسْتَدَانَ لِتِجارةٍ بالحلالِ وَلَكنّهُ ارتَكَبَتْهُ الديونُ وهوَ غَيرُ قادرٍ على أنْ يَسُدَّهَا، فيُعْطَى منَ المالِ مِنْ مَالِ الزَّكاةِ مَا يُمَكِنُهُ من سَدِ هَذِهِ الدُّيونِ. أمّا إذا كانت عندَهُ عِقاراتٌ جامِدَةٌ وتِجَارَتُهُ خَسِرَ فيها، فهذا لا يَشْملُهُ لفظُ الغارمينَ بلْ يَبِيعُ من عِقَارَاتِهِ ويسدُّ ديونَهُ.
أما {وَفِي سَبِيلِ اللهِ} فلا دخلَ لَهُ ببناءِ المساجِدِ والمُستشفياتِ والمدارسِ ودُورِ الأيتامِ ونحو ذلك بَلْ كَمَا ذَكَرَ الفقهاءُ والمُفَسرونَ، هم الغزاةُ المُتطوّعونَ الذينَ خَرَجُوا في سبيلِ اللهِ تَعَالى.
أمّا ابنُ السبيلِ فهوَ الذي انقَطَعَتْ بِهِ الأسبابُ يريدُ أنْ يعودَ إلى بلادِهِ ولا مالَ لَدَيْهِ الآنَ يُعْطَى مِنَ الزكاةِ مَا يُمَكِنُهُ مِنَ العودةِ إلى بلادِهِ. والزكاةُ تجبُ في الزُروعِ والثمارِ وأموالِ التجارةِ والماشِيَةِ والإبْلِ والبقرِ والغنمِ ولكن لا بُدَ من مَعْرِفَةِ أمورٍ يَتَعاطاها أهلُ المدينةِ اليومَ كالتجارةِ وتخزينِ الذّهبِ، وكذلِكَ تَوفيرُ المالِ النقديِ. من كانَ عندَهُ تجارةٌ يقوّمُ كلَّ بِضَاعَتِهِ رأسَ كلِ سنةٍ بحسابِ السنينَ القمريةِ بدْأ من ابتداءِ تِجَارتِهِ إلى انتهاءِ الحوْلِ أي السنة القمرية بسعرِ ما تُباعُ بِهِ في الأسواقِ اليومَ وهذا أنفَعُ لمصلَحَةِ الفقراءِ كما ذكرَ ذلك الفقهاءُ، ويخرجُ ربعَ العُشرِ عن جميعِ قيمةِ بِضَاعَتِهِ أي اثنين ونصف في المئةِ. ولا يدْخُلُ في التقويمِ السنويِ بَرَاداتُ المؤسسةِ أو ءالاتُ التنظيفِ في المَصْبَغَةِ أو ءالاتُ غزلِ النسيجِ في المصنعِ التي هيَ أصول ثَابتةٌ لم يَعرِضْها للتقليبِ بنيّةِ التجارةِ وليس في نيتِهِ ذلك.
وأما البيتُ أو السيارةُ التي هو اتخذَهَا لِيَكْتَسِبَ منها فهذه لا زكاةَ فيها وكذلك لو كانَ عندَهُ بيتٌ له وءاخرُ لِوَلَدِهِ ولمْ يتخذْ هذه البيوتَ عروضَ تجارةٍ أي لم يشترِ هذ البيوتَ بنيةِ تقليبِها بالتجارةِ فلا زكاةَ فيها. ولا زكاةَ في الحميرِ والبغالِ إنما الزكاةُ تكونُ في الإبلِ والبقرِ والغنمِ والضأن والماعزِ،
ولا زكاةَ في الفواكِهِ والخضارِ، ولا زكاةَ في الدواجِنِ، كذلك لا زكاة في البيوت التي يملك الشخص ويؤجرها للناس،
ولا زكاةَ في أموالٍ هي غلّةُ أصحابِ المهنِ كالطّبابةِ والهندسةِ الذين يكسبونَ أُجْرَةً دوريّةً إنما تجبُ الزكاةُ في المالِ الذي حفظه الشخص ومضى عليه عام وكان قد بلغ النصاب، النصابُ هو ما يعادلُ من الذهبِ الخالِصِ بالغرامات 84,875 غراما يعني أقل من نصفِ اوقية، و٩٧ غراما من عيار ٢١قيمةُ هذا الذهبِ الخالِصِ 84,875 غرام بالعملَةِ اللبنانيةِ من جمّدَهُ سنةً تجبُ في عملتِهِ اللبنانيةِ زكاةٌ وهي ربعُ العشرِ أي اثنان ونصف بالمئة في مذهب الإمام أبي حنيفة. فمنْ كانَ عندَهُ مالٌ نقديٌ يوازي قيمةَ هذا الذهبِ فإنّه يخرجُ عن كلّ مئةِ ليرةٍ ليرتينِ ونصف. ولا يُؤخّرْ دفعَ الزكاةِ إذا ما استحقّت عليه. وقد استَحَبَ الإمامُ أحمدُ بن حنبلٍ رضي الله عنه أن يدفَعَ صاحبُ المالِ الزكاةَ بيدِهِ. فَمَنْ كانَ عندَهُ مالٌ فليُزَكِ بِيَدِهِ وإن شاءَ يُعطي ثِقَةً عدلا لا يَتَصَرّفُ بمالِ الزكاةِ لِجَيبِهِ لِنَفْسِهِ لِزوجَه أو لأولادِهِ أو لأقربائِهِ من غيرِ المُستَحقِينَ. فإنْ أنتَ وَزّعتَ بِيَدِكَ ونظرتَ في أحوالِ الفُقراءِ بِعَيْنِكَ اخْتَصَرْتَ الطريقَ عليهم واطْمَأْنَنْتَ إلى أحوالِهِم مُبَاشَرةً ولكن ليسَ معنى هذا أنْ لا تُعْطُوا من تَثِقُونَ بِدِينِهِمْ من الجمعيّاتِ أو مِنَ الأفرادِ ممن لا يأكُلُونَ أموالَ اللهِ ظلما ولا يأكلون أموال الله بالباطل وهم قلّة في هذا الزمن. ومِنَ الذينَ لا تُدْفَعُ لهم زَكاةُ الأموالِ ءالُ بيتِ النبيّ صلى اللهُ عليهِ وَسَلَمَ. فكُلُّ من ثَبتَ نَسَبُهُ إلى بنتِ رسولِ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وَسَلمَ سَيدَتِنَا فَاطِمَةَ الزهراءِ رضي اللهُ عنها. اعلموا أن ءال علي وءال جعفر وءال عقيل وءال العباس كل هؤلاء لا يجوز لهم أن يأكلوا من أموال الزكاة. الرسول صلى الله عليه وسلم قال: “إن هذه الصدقات إنما هي أوساخ الناس” أي تطهرهم من ذنوبهم، وإنها لا تَحِلُّ لِمُحمّدٍ ولا لآلِ مُحَمّدَ. فهؤلاء يعطون هدايا أو يعطون صدقة تطوع، أما من الزكاة فلا يجوز. وكثير من العائلات في بيروت وفي بلاد الشام في سوريا والأردن وفلسطين وغيرها وفي الحجاز أيضا ينتسبون إلى الرسول صلى الله عليه وسلم يسمون الأشرافَ كآلِ الحوتِ وءالِ الوزَّانِ وءالِ منيمنة وصيداني والجيلاني والكيلاني والرفاعي والشريف والحسني والحسيني وغيرِهِم، هؤلاءِ نَسَبُهُم ثابتٌ إلى رسولِ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ، أشرافٌ في النَسَبِ، فالفقيرُ منهُم لا يُعطى مِنْ مالِ الزّكاةِ بلْ يُعْطَوْنَ من غيرِ الزكاةِ كالهدِيَةِ وصدقة التطوع.واعلن ان الزكاة لا تدفع عند الحنفية للأصل كالوالدين ولا للفرع كالأبناء والبنات .
تَعَلَّمْ أخي المسلمُ أحكامَ الزكاةِ حتى إذا ما كنتَ صَاحِبَ مالٍ أدّيْتَهَا بحيثُ تبْرَأُ ذِمَّتُكَ أو إذا ما كنتَ وَكِيلا عن صَاحِبِ الزكاةِ صَرَفْتَهَا في وُجُوهِهَا مِنْ غيرِ أَنْ تَقَعَ في الحرام. والله أعلم وأحكم.