وَصْفُ النبيّ صلى الله عليه وسلّم – بصوت فضيلة الشيخ نبيل الشريف عافاه الله
الحمدُ للهِ رَبِّ العالَمِينَ لهُ النِّعْمَةُ ولهُ الفَضْلُ ولهُ الثَّناءُ الحَسَنُ، صَلَواتُ البَرِّ الرَّحِيْمِ والْمَلاِكَةِ الْمُقَرَّبِيْنَ علَى سَيِّدِنا مُحَمَّدٍ أَشْرَفِ الْمُرْسَلِينَ وَحِبِيْبِ رَبِّ العالَمِينَ وعلَى ءالِه وصَحْبِه الطَّيِّبِيْنَ الطَّاهِرِيْنَ.
اللهُمَّ عَلِّمْنا ما جَهِلْنَا وذَكِّرْنا ما نَسِيْنَا وانْفَعْنا بِما عَلَّمْتَنا وَزِدْنا عِلْمًا.
مِن الأشياءِ التي يَنبغِي أن تُعْلَمَ في حَقِّ الأنبياءِ علَيهم الصلاةُ والسلامُ أنهم كُلَّهُم جَمِيْلُو الصُورَةِ، ليس فيهِم مَن هو ليسَ جَمِيلَ الصُّورَةِ ولا يُوجَدُ نَبِيٌّ أَسْوَدُ، يُوجَدُ نَبِيٌّ يَكُونُ ليسَ في بَياضِ سَيِّدِنا محمَّدٍ صلّى الله عليه وسلم، لكِن يكونُ إلى السُّمْرَة، ءادم كان إلى السُّمْرة، موسى كان إلى السُّمْرة. السُّمْرَة ليسَ مَعْناه مِثلَ الحَبَشِيِّينَ بل السُّمْرَةُ هو كما نُسَمِّيهِ نحن “حِنْطَاوِي”، فلَوْنُ الجِلْدِ هَذَا يُقَالُ عَنْهُ السُّمْرَةُ، فآدَمُ كانَ كذَلِكَ ومُوسَى كانَ كَذَلِكَ، أمّا رَسُولُ اللهِ مُحَمَّدٌ صَلّى الله علَيه وسَلَّمَ فكَان:
أبيضَ مُشْرَبًا بحُمْرَة: كَثيرٌ مِن النّاسِ الذِينَ لم يَتَعَلَّمُوا، عِندَما يَسْمَعُون “الجزيرة العَرَبيّة” يَظُنُّون أنَّ أَهْلَها سُمرٌ ِلأنّها حارّةٌ، لكِنَّ المهاجِرِينَ كانُوا بِيْضًا، والرَّسُولُ صلّى الله عليه وسَلَّم وُلِدَ بِمَكّةَ، والأَنْصَارُ كَانُوا سُوْدًا أي كَثِيرٌ مِنهُم كأَهْلِ الحَبَشَةِ، فلِذَلِكَ لَو ذَهَبَ أَحَدٌ مِنَّا إلى الْمَدِينَةِ قَد يَجِدُ أُناسًا أَجْدَادُهم مِن أَهْلِ الْمَدِينَةِ سُوْدٌ، فلَيْسَ المعنى أَنَّ مَن كانَ مِن الجَزِيرَةِ العَرَبِيّةِ يَكُون أَسْمَرَ أو أَسْوَدَ، فالرَّسُولُ صلّى الله عليه وسَلَّمَ كانَ أَبْيَضَ مُشْرَبًا بِحُمْرَةٍ.
أَحَدُ الصَّحَابةِ واسْمُهُ جابِرُ بنُ سَمُرَةَ رَضِيَ الله ُعنه قالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلّى الله عليه وسلم في لَيْلَةِ أُضْحِيَان (أي اللّيلةِ التي يَكْتَمِلُ فيها القَمَرُ فيَكُونُ بَدْرًا)، قال: فَجَعَلْتُ أَنْظُرُ إلى وَجْهِ رَسُولِ اللهِ وإلى القَمَرِ، فإِذَا بِرَسُولِ اللهِ أَحْلَى مِن القَمَرِ، يَعْنِي أَحْلَى مِن البَدْرِ صَلَّى اللهِ عليه وسلم. وأبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ الله عنه قال: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلَّمَ وكأَنَّ الشَّمْسَ تَجْرِي في وَجْهِهِ، يَعْنِي مِنْ حُسْنِ صُوْرَتِهِ، مِن جِمَالِه. وقَال أبو هُرَيرةَ رَضِيَ الله عنه: ما رَأَيْتُ مِثْلَه لا قَبْلَهُ ولا بَعْدَهُ.
مَرّةً سَأَلَ شَخْصٌ الشَّيْخَ عبدَ الله رَضِيَ اللهُ عنه: كَيْفَ أَعْرِفُ أَنّي رَأَيْتُ الرَّسُولَ علَى صُوْرَتِهِ الأَصْلِيَّةِ؟
فقَالَ الشَيْخُ رَحِمَهُ الله: يَكُون علَى حَسَبِ ما جاءَ في كُتُبِ الحَدِيثِ مِمّا قَالَهُ الصَّحَابَةُ مِن صِفَتِه، لكِنْ لِتَعْرِفْ أَنَّكَ إذَا رَأَيْتَهُ علَى صُوْرَتِه الأَصْلِيَّةِ تَكُونُ رَأَيْتَ أَحْلَى مَن تَرَى، ما رَأَيْتَ قَبْلَه مِثْلَ ذَلِكَ ولا تَرَى بَعْدَهُ مِثْلَ ذَلِكَ، يَعْنِي قَبْلَ أَنْ تَرَاهُ لم تَرَ أَجْمَلَ مِنْهُ ولا بَعْدَ أَنْ تَرَاهُ تَرَى أَجْمَلَ مِن صُوْرَتِه صلى الله عليه وسلم.
ومِن حَيْثُ القَامَةُ كانَ مُعْتَدِلَ القَامَةِ، رَبْعَةً إلى الطُّوْلِ: كانَ الشَّيْخُ رَضِيَ الله عنه يَشْرَحُ لِشَخْصٍ وَأَنَا دَاخِلٌ فَقَالَ له: مِثْلُ هذَا، أي مِن حَيْثُ الطُّوْلُ، يُقَال عنه رَبْعَةٌ إلى الطُّوْلِ أي لَيْسَ إلى القِصَرِ.
وكان صَلّى الله عليه وسلم سَوَاءَ البَطْنِ والصَّدْرِ: ليسَ عِنْدَه بَطْنٌ نَاتِئَ عَن صَدْرِهِ صَلّى اللهِ عليه وسلم.
وكان بَعِيْدَ ما بَيْنَ الْمَنْكِبَيْنِ: في لُغَتِنَا يَقُولُون عنه “أَكْتَافُه عَرِيْضَة”، هذا مَنْكِبٌ وهذا مَنْكِبٌ.
وكانَ رَسُول الله صَلّى الله عليه وسلَّمَ أَجْلَى الجَبْهَة واسِعَ الجَبِيْنِ: هذا الذِي هُنا يُقَالُ له الجَبِيْنُ، وفي الوَسَطِ ما بَيْنَ الجَبِيْنَيْنِ تُوْجَدُ الجَبْهَةُ، كانَ صلَّى الله عليه وسَلَّمَ عَرِيْضَ الجَبْهَةِ ولا يُوْجَدُ شَعَرٌ علَى جَبْهَتِه.
وكان شَدِيدَ سَوَادِ الشَعَرِ: لم يَدْخُل في شَعَرِهِ (في رأْسِهِ ولِحْيَتِهِ) مِن البَيَاضِ سِوَى عِشْرِينَ شَعْرَة، وفِي لِحْيَتِه شَعْرَةٌ بَيْضَاءُ واحِدَةٌ، وكان شَعَرُ رَأْسِهِ يَصِلُ إلى مَنْكِبَيْهِ، كانَ يُطِيْلُ شَعَرَهُ صَلَّى الله عليه وسَلَّمَ وكان يَعْمَلُهُ فِرَقًا، حِيْنَ دَخَلَ مَكَّةَ فَرَقَهُ أَرْبَعَ فِرَقٍ، كُلُّ فِرْقَةٍ وَحْدَهَا، وكان يَعْمَلُ ما تُسَمُّونَه “الجَدُّولَة” لَكِن بِدُوْنِ رَبْطٍ، لم يَكُن يَرْبِطُ نِهَايَتَهُ كمَا تَفْعَلُ النِّسَاءُ يَرْبِطْنَ بـ”بِكْلَة” أو “مغَّيْطَة”، لم يَحْصُل مِنْهُ هذا صلَّى الله عليه وسَلَّم.
وشَعَرُه لم يَكُن سَبِطًا كَشَعَرِ عِيْسَى عليه السَّلامُ، شَعَرُ عِيْسَى سَبِطٌ أي ناعِمٌ جِدًّا كَأَنَّهُ يَقْطُرُ مَاءً كمَا قَال الرَّسُول صلى الله عليه وسلم، والرَسُّول لم يَكُنْ شَعَرُه جَعْدًا كمَا لم يَكُن سَبِطًا.
الْمَسِيحُ الدَجَّالُ يَكُونُ شَعَرُه جَعْدًا قَطَطًا قَوِيَّ الجُعُودَةِ،
الرَّسُولُ علَيه الصلاةُ والسلامُ كانَ شَعَرُه حَلَقًا حَلَقًا أي مُـمَوَّجا لكِن تَمُوَّجًا خَفِيفًا.
وكانَ أَزَجَّ الحاجِبَيْنِ: مَعْنَاهُ حَاجِبَاهُ دَقِيْقَانِ مِن غَيْرِ اتِّصَالٍ في الوَسَطِ صلّى الله عليه وسَلَّمَ.
وكان أَهْدَبَ الأَشْفَارِ: مَعْنَاهُ كَانَ كَثِيْرَ شَعَرِ الجُفُونِ، وهذَا فِيْهِ جَمَالٌ.
وكان أَشْكَلَ العَيْنَيْنِ: يَعْنِي يوجدُ في بَيَاضِ عَيْنَيْه يُوْجَدُ خُطُوطٌ حَمْرَاءُ.
وكانَ أَقْنَى الأَنْفِ: أنْفُهُ ما فِيْهِ هُبُوطٍ إلَى جِهَةِ الوَجْهِ بل مُرْتَفِعُ الأَعْلَى كمَا هو مُرْتَفِعُ الطرف.
وكان صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إذا تَكَلَّمَ الصَّحابَةُ يُنْصِتُونَ إلَيْهِ فِي مَجْلِسِهِ وَكَأَنَّ علَى رُءُوسِهِم الطَّيْرُ. وكان شَدِيْدَ التَّواضُعِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إذا جَلَسَ في مَجْلِسٍ، يَجْلِسُ حَيْثُ يَنْتَهِي بِهِ الْمَجْلِسُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يعني إذا وَصَلَ إلى مكانٍ فِيْهِ فُرْجَةٌ يَجْلِسُ فِيها كانَ يَقْعُدُ فِيها صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، يعني لا يَتَخطَّى الناس ويُضايِقُهُم ويُزْعِجُهُم.
وكانَ ضَخْمَ الكَرَادِيْسِ: يَعْنِي ضَخْمَ مَجَامِعِ العِظامِ، وهذا يَدُلُّ عَلَى قُوَّةِ البَدَنِ.
وكانَ مُتَمَاسِكَ البَدَنِ: يعني كما تَقُولُون “بُنْيَتُه قَوِيّة”، فالرَّسُولُ كانَ أُوْتِيَ قُوَّةَ أَرْبَعِينَ رَجُلًا عليهِ الصلاةُ والسلامُ.
وكان (خمصان الأَخْمَصَيْنِ): أي لم تَكُن قَدَماهُ مُسْتَوَيَتَيْنِ بالأرضِ (يعني ضاربة بالأرض) لم يَكُن به هذا، بل كانتا مُرْتَفِعَتَيْنِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ.
وكان مُعْتَدِلَ السَّاقَيْنِ: لم يَكُن في سَاقَيْهِ دِقَّةٌ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ.
وكان لهُ فِي صَدْرِهِ مَسْرُبَةٌ: هذا الشَعَرُ الذِي يكون هُنا يُسَمَّى الْمَسْرُبَةُ كانَ في صَدْرِ النَبِيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ.
وكان عليهِ الصلاةُ والسلامُ طَيِّبَ الرائِحَةِ: إذا تَطَيَّبَ أو لَم يَتَطَيَّبْ، دائِمًا رائِحَتُهُ طَيِّبَةٌ، حتَى إنّه وَرَدَ وَصَحَّ وثَبَتَ أنّه إذا مَرَّ في طَرِيقٍ، الصَّحابَةُ حِينَ يَمُرُّون في هذَا الطَرِيْقِ يَشَمُّونَ رائِحَةً طَيِّبَةً فَيَعْرِفُونَ مُرُوْرَ الرَّسًولِ مِن هُنا دُونَ أنْ يَعْرِفُوا بالخَبَرِ أنّه مَرَّ مِن هنا، لكِنْ مِن قُوَّةِ الرائِحَةِ التِي تَظْهَرُ، مِن عَبَقِ الرائِحَةِ التِي تَظْهَرُ إذا مَرَّ الرَّسُولُ في طَرِيقٍ يَعْرِفُ الصَّحابَةُ أنّهُ مَرَّ مِن هُنا صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ. وكانَ يُوجَدُ صَحابِيٌّ اسمُهُ عُقْبَةُ بن غَزْوانَ كان أصاَبَهُ مَرَضٌ يُسَمَّى الشِّرَى، هذا مَرَضٌ يَظْهَرُ مِنهُ حِكَّةٌ، فجاَءَ إلى الرَّسُول صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فقال له الرَّسُولُ: تَجَرَّدْ، أي مِنَ القَمِيْصِ، فتَجَرَّدَ فَوَضَعَ الرَّسُولَ يَدَهُ عَلَيْهِ فَرَقاهُ، فَعَبِقَ بهِ الطِّيْبُ إلى ءاخِرِ حَيَاتِهِ، وكان لِهذا الصَّحَابِيِّ أَرْبَعُ زَوْجاتٍ، كُلُّ واحِدَةٍ تَتَسابَقُ لِتَمْسَحَ عَلَى ظَهْرِهِ لِتُصِيْبَ البَرَكَة التي حَصَلَتْ بِمَسِّ يَدِ الرَّسُولِ لِظَهْرِ هذا الرَّجُلِ الذِي هُوَ زَوْجُها، عَبِقَ بِهِ الطِّيْبِ إلى ءاخِرِ حَياتِه.