بعض الناس يتساءلون عن زواج النبي من السيدة عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وعن أبيها أبي بكر الصديق.
فالنبي صلى الله عليه وسلم تزوجها وهي البكر الوحيدة بين زوجاته الكريمات صلى الله عليه وسلم، ودخل بها وهي بنت تسع سنين .
وكان من فضائلها أنها كانت من أحبّ الخلق إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر أبوها كان من أحب الناس إلى النبي كذلك، ونزلت براءتها في القرآن وكانت أفقه نسائه وأعلمهن بالحلال والحرام، وهي أفقه نساء الأمة وأعلمهن على الإطلاق، وكان الأكابر من أصحاب النبي يرجعون إلى قولها ويستفتونها .
النبي صلى الله عليه وسلم تزوج عائشة رضي الله عنها وكان عمره فوق الخمسين وفي ذلك حكم منها ما رآه فيها من أمارات الذكاء والفطنة في صغرها، فأحب الزواج بها لتكون أقدر من غيرها على نقل أحواله وأقواله لزمن طويل بعد وفاته صلى الله عليه وسلم بسبب صغر سنها. وبالفعل فهي كانت مرجعاً للصحابة في شؤونهم وأحكامهم .
ومن ذلك محبة النبي صلى الله عليه وسلم لأبيها أبي بكر وما ناله رضي الله عنه في سبيل دعوة الحق من الأذى وصبر عليه، فكان أقوى الناس إيماناً وأصدقهم يقيناً بعد الأنبياء على الإطلاق.
ويلاحظ في مجموع زواجه صلى الله عليه وسلم أن زوجاته نماذج لأفراد البشر في كيفية التعامل بين الناس، ومن خلالهن قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم للمسلمين تشريعات نفيسة في كيفية التعامل السليم مع كل نموذج من هذه النماذج البشرية.
أما مسألة صغر سنها رضي الله عنها واستشكال ذلك، فإنه من المعروف من عادة العرب أن ذلك ليس إشكالاً في ما تعارفوه من شؤون مجتمعاتهم في ذلك الوقت، فالنبي صلى الله عليه وسلم بعث في بلاد حارة وهي أرض الحجاز، وغالب البلاد الحارة يكون فيها بلوغ البنت مبكراً والزواج كذلك يكون مبكراً، وهذا كان الغالب على الناس في أرض الجزيرة العربية إلى عهد قريب، بل هو مشهور إلى الآن في بعض الدول مثل أرياف سوريا والبلاد التي فيها بادية حيث يزوجون بناتهم باكراً، كما أن النساء يختلفن من حيث البنية والاستعداد الجسماني لهذا الأمر وبينهن تفاوت كبير في ذلك، وهذا شيء من أنكره فقد أنكر الواقع المشاهد.
فإذا تأمّل العاقل ذلك وأن النبي لم يتزوّج بكراً غير عائشة، وأن كلّ زوجاته سبق لهنّ الزواج قبله زال عن خاطره ما يشيعه أكثر الطاعنين من أن زواج النبي كان مبعثه الأساسي هو الشهوة والتنعّم بالنساء، فمن كان هذا مقصده ألا يتخيّر في كلّ زوجاته أو معظمهن من توفرت فيها صفات الجمال والترغيب من كونها بكراً فائقة الجمال، ونحو ذلك من المعايير الحسية الزائلة؟
ولو كان النبي متعلق القلب بالنساء يريد الشهوة ما كان يترك السيدة عائشة في ليلتها بين ليال متعددة هي قسمها بين زوجاته ويذهب إلى جَبانة المسلمين يدعو لهم بخير، ويصلي قيام الليل صلى الله عليه وسلم.
ومن المعروف إلى الآن بين العرب ان بطون القبائل تصاهر من هم معروفون بالحسب والنسب فكيف بمصاهرة خير خلق الله صلى الله عليه وسلم.
ومثل هذه المطاعن في نبي الرحمة من الكفّار تدلّ على تمام عجزهم عن أن يطعنوا في الشرع والدين الذي جاء به صلى الله عليه وسلم من عند الله تعالى، فحاولوا أن يبحثوا عن مطاعن لهم في أمور خارجة، ولكن يأبى الله إلا أن يتمّ نوره ولو كره الكافرون،