الرسول أوصى بأشياء نفيسة نافعة يستفيد منها المؤمن في الدنيا والآخرة، ومن ذلك وصيته بالجار إذ قال صلى الله عليه وسلم: “مَن كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصمُتْ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ جَارَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ” رواه البخاري ومسلم، وفي الرواية الأخرى: “فَلْيُحسِنْ إِلَى جَارِهِ”، وفي الرِّواية الأخرى: “فَلاَ يُؤْذِيَ جَارَهُ” (بالياء في آخره)، وفي رواية: “فلا يؤذِ” بحذفها، وهما صحيحان؛ فحذفها للنَّهي وإثباتها على أنَّه خبرٌ يراد به النَّهي.
ومعنى الحديث: أنَّ من التزم شرائع الإسلام لزمه إكرام جاره وضيفه وبرّهما، وكلُّ ذلك تعريف بحقِّ الجار وحثٌّ على حفظ هذا الحق فلا يؤذي الجار جاره، وقد أوصى الله تعالى بالإحسان إلى الجار في كتابه العزيز كذلك فعليكم بإكرام الجار وأوصوا نساءَكم بإكرام جاراتهن كما أوصى بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله : “يا نساء المسلمات لا تحقرن جارةٌ لجارتها ولو فِرْسِنَ شاة” رواه والبخاري ومسلم. والفِرْسِن بكسر الفاء والسين هو الظلف ولا يقال إلا في الإبل، وهذا النهي عن الاحتقار نهي للمعطية المُهدية، ومعناه لا تمتنع جارة من الصدقة والهدية لجارتها لاستقلالها واحتقارها الموجود عندها، بل تجود بما تيسر وإن كان قليلاً كفِرسِن شاة وهو خير من العدم، فلذلك لا يذم العاقل الاحسان ولو كان قليلاً في نظر الناس كسواك يهديه المسلم إلى أخيه في الله.