ليكن راسخاً في قلوبكم أن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، وأن مشيئة الله لا تتبدّل ولا تتغيّر لاستحالة التغيّر على الله. الله يغيّر المخلوقات من حال إلى حال، أما هو سبحانه فلا يتغيّر، فلذلك ولغيره من الأدلة الشرعية والعقلية لا يَصِحُّ عن رَسولِ الله صلى الله عليه وسلم الدّعاءُ الذي يقوله بعض الناس في النصف من شعبان: “اللهم إنْ كنتَ كَتبتَنِي في أمّ الكتابِ عِندَكَ شَقِيّا فَامْحُ عَنّي اسْمَ الشَّقَاءِ وأَثبتْني عِندَكَ سَعيدًا. وإن كُنتَ كتبتني في أمّ الكِتابِ مَحرُومًا مُقَتّرًا عليّ رِزْقي فَامحُ عَنّي حِرْمَاني وتَقْتيرَ رِزْقي وأَثبتني عندَكَ سَعِيدًا مُوَفّقًا للخَيرِ، فإنّكَ تَقُولُ في كِتابِكَ ﴿يَمْحُو اللهُ مَا يَشَاء وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ (الرعد، 39)﴾”.
وَلَم يَصِحَّ هذَا الدّعاءُ أيْضًا عن عُمَرَ ولا عن مجاهد ولا عن غيرِهما منَ السّلَفِ كَما يُعلَمُ ذلكَ مِن كِتَابِ القَدَرِ للبَيهقيّ، وفيه عَن مُجَاهِدٍ أنَّه قالَ في تفسيرِ قولِ الله تعالى ﴿فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيم (4)﴾ [سورة الدخان] : “يُفْرَقُ في لَيْلةِ القَدْرِ مَا يكونُ في السّنَةِ مِنْ رِزْقٍ أو مُصِيْبَةٍ، فأمّا كِتَابُ الشّقَاءِ والسّعَادَةِ فَإنّه ثَابتٌ لا يُغيّرُ”.
ومَعْنَى ﴿فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ﴾ أنَّ اللهَ يُطْلِعُ ملائِكَتَهُ في لَيْلَةِ القَدرِ على تَفاصِيلِ ما يَحْدُثُ في هذِهِ السَّنَةِ إلى مِثْلِهَا مِنَ العامِ القابِلِ مِنْ مَوْتٍ وحَيَاةٍ ووِلادَةٍ وأَرْزَاقٍ ونحوِ ذلكَ.
ولا يجوزُ للإنسانِ أنْ يَعْتَقِدَ أنَّ مَشيئَةَ اللهِ تَتَغَيّر بِدَعْوَةِ داعٍ أوْ صَدَقَةِ مُتَصَدّقٍ أو نَذْرِ ناذِرٍ وقد قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «سَأَلْتُ رَبِي ثَلاثًا فأَعْطَانِي ثِنْتَيْنِ وَمَنَعَنِي واحِدَةً» فسبحانَ اللهِ الذي يُغَيّرُ ولا يَتَغَيّرُ، ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن.
والقرآن صرّح بأن الله يغيّر أحوال العباد، فالمخلوق هو الذي يتغيّر وليس الخالق لأن التغيّر من علامات الحدَث والمخلوقية، وبذلك استدلّ نبيّ الله إبراهيم على مخلوقية الشمس والقمر حين قال: لا أحبُّ الآفلين. (سورة الأنعام، 76) وقال الله تعالى “ليسَ كَمِثْلِه شىء”، (سورة الشورى، 11). وأجمع أهل الإسلام على أن من أجاز اتصاف الله بصفة من صفات البشر أو غيرهم من المخلوقات فهو كافر كما نقل الإمام الطحاوي فليتنبه.