قوله تعالى في سورة يس: “قَالُوا يَا وَيلَنَا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا ۜ ۗ هَٰذَا مَا وَعَدَ الرَّحمَٰنُ وَصَدَقَ الْمُرسَلُونَ (52).
فهنا كلمة “قالوا” أي الكفار وذلك بسبب إنكارهم بعث الموتى من القبور، فهم يقولون تلك الكلمة حين يرون حقية البعث.
وقولهم “يا وَيلَنَا” كلمة يقولها الواقع في مصيبة أو المُتحسِّر لشدة ما هو فيه من سوء الحال، وإنما قال الكفار ذلك لأنهم رأوا ما أُعدّ لهم من العذاب عندما بعثوا من قبورهم، يقولون ذلك من التعجّب والتحسّر من حصول البعث. وهم لما كان البعث عندهم محالاً كنّوا عن التعجب من حصوله بالتعجب من فاعله لأن الأفعال الغريبة تتوجه العقول إلى معرفة فاعلها، ذلك أنهم لما بُعثوا وأزْجي بهم إلى العذاب علموا أنه بعثٌ فعَله من أراد تعذيبهم .والمَرقَد مكان الرقاد وحقيقة الرقاد النوم، وأطلقوا الرقاد على الموت والاضطجاعِ في القبور تشبيهاً لذلك بحالة الراقد، وقال في لسان العرب يحتمل أن يطلق المرقد على الموضع وهو القبر، وعذابه للكفار ثابت بالكتاب والسنة، قال أبو منصور البغدادي إن منكر عذاب القبر للكفار كافر. ثم لم يلبثوا أن استحضرت نفوسهم ما كانوا يُنذرون به في الدنيا فاستأنفوا عن تعجبهم قولهم: “هذا ما وَعَدَ الرحمن وصَدَقَ المُرسَلُونَ” وهذا الكلام خبر مستعمل في لازم الفائدة وهو أنهم علموا سبب ما تعجبوا منه فبطل العجب، فيجوز أن يكونوا يقولون ذلك كما يتكلم المتحسّر بينه وبين نفسه، وأن يقوله بعضهم لبعض كل واحد منهم يظن أن صاحبه لم يتفطن للسبب فيريد أن يعلمه به.
وأتوا في التعبير عن اسم الجلالة بصفة الرحمن إكمالاً للتحسر على تكذيبهم بالبعث بذكر ما كان مقارناً للبعث في تكذيبهم وهو إنكار هذا الاسم كما قال تعالى: “وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمن قالوا وما الرحمن” (الفرقان، 60). والإِشارة بكلمة “هذا” إشارة إلى الحالة المرئية لِجميعهم وهي حالة خروجهم من الأرض.
وجملة “وصَدَقَ المُرْسَلُونَ” عطف على جملة “هذا ما وعَدَ الرحمن” وهو مستعمل في التحسّر على أن كذبوا الرسل .
ومن المفسرين من جعل “هذا ما وعد الرحمن وصَدَقَ المُرسَلُونَ” من كلام الملائكة يجيبون به قول الكفار “مَن بعَثَنا مِن مَرقَدِنا” فهذا جواب يتضمن بيان مَن بعثهم مع تنديمهم على تكذيبهم به في الحياة الدنيا حين أبلغهم الرسل ذلك عن الله تعالى، واسم “الرحمن” حينئذٍ من كلام الملائكة لزيادة توبيخ الكفار على تجاهلهم به في الدنيا. والخلاصة أن الآية ليس فيها أدنى دليل على أن الكفار لا يعذبون في قبورهم، وذلك العذاب ثابت إجماعاً وبالكتاب والسنة، والحمد لله تعالى