عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “مَنْ تَصَدَّقَ بِعَدْلِ تَمْرَةٍ مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ – وَلَا يَقْبَلُ اللهُ إِلَّا الطَّيِّبَ – فَإِنَّ اللهَ يَتَقَبَّلُهَا بِيَمِينِهِ ثُمَّ يُرَبِّيهَا لِصَاحِبِهَا كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكُمْ فَلُوَّهُ حَتَّى تَكُونَ مِثْلَ الْجَبَلِ”. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
قَال الملا علي الْقَارِيّ فِي الْمِرقَاةِ: قَوْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “مَنْ تَصَدَّقَ بِعَدْلِ تَمْرَةٍ” أَي بِمِثْلِهَا صُورَةً أَوْ قِيمَةً؛ “مِنْ كَسْبٍ” أَيْ صِنَاعَةٍ أَوْ تِجَارَةٍ أَوْ زِرَاعَةٍ أَوْ غَيْرِهَا وَلَوْ إِرثًا وَهِبَةً؛ “طَيِّبٍ” أَيْ حَلَالٍ؛ “وَلَا يَقْبَلُ اللهُ إِلَّا الطَّيِّبَ” جُمْلَةٌ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ الشَّرطِ وَالْجَزَاءِ، وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ غَيْرَ الْحَلَالِ غَيْرُ مَقْبُولٍ وَأَنَّ الْحَلَالَ الْمُكْتَسَبَ يَقَعُ بِمَحَلٍّ عَظِيمٍ. “فَإِنَّ اللهَ يَتَقَبَّلُهُ بِيَمِينِهِ” يَدُلُّ عَلَى حُسْنِ الْقَبُولِ وَوُقُوعِ الصَّدَقَةِ مِن الله تعالى مَوْقِعَ الرِّضَا عَلَى أَكْمَلِ الْحُصُولِ لِأَنَّ الشَّىْءَ الْمَرْضِيَّ يُتَلَقَّى بِالْيَمِينِ فِي الْعَادَةِ؛ “ثُمَّ يُرَبِّيهَا لِصَاحِبِهَا” التَّرْبِيَةُ كِنَايَةٌ عَنِ الزِّيَادَةِ أَيْ يُزِيدُهَا وَيُعَظِّمُهَا حَتَّى تَثْقُلَ فِي الْمِيزَانِ، “كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكُمْ فَلُوَّهُ” أَي الْمُهْرُ وَهُوَ وَلَدُ الْفَرَسِ “حَتَّى تَكُونَ” بِالتَّأْنِيثِ أَيِ الصَّدَقَةُ أَوْ ثَوَابُهَا أَوْ تِلْكَ التَّمْرَةُ “مِثْلَ الْجَبَلِ” أَيْ فِي الثِّقَلِ، قِيلَ: هَذَا تَمْثِيلٌ لِزِيَادَةِ التَّفهِيمِ وَخَصَّهُ بِالْفَلُوِّ لِأَنَّ زِيَادَتَهُ بَيِّنَةٌ وَفِي الْحَدِيثِ اقْتِبَاسٌ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ} فَالْمُرَادُ بِالرِّبَا جَمِيعُ الْأَمْوَالِ الْمُحَرَّمَاتِ، وَالصَّدَقَاتُ تُقَيَّدُ بِالْحَلَالَاتِ. وَفِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ: إِلَّا أَخَذَهَا الرَّحمَنُ – عَزَّ وَجَلَّ – بِيَمِينِهِ وَإِنْ كَانَتْ تَمْرَةً فَتَرْبُو فِي كَفِّ الرَّحْمَنِ ، وَلَعَلَّ ذِكْرَ الرَّحْمَنِ لِلْإِشْعَارِ بِأَنَّ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَحْمَتِهِ وَسَعَةِ كَرَمِهِ، وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: لَمَّا كَانَ الشَّىْءُ الَّذِي يُرْتَضَى يُتَلَقَّى بِالْيَمِينِ اسْتُعْمِلَتِ الْيَمِينُ فِي مِثْلِ هَذَا، وَهَذَا الْحَدِيثُ عِنْدَ السَّلَفِ مِنَ الْمُتَشَابِهَاتِ مَعَ اعْتِقَادِنَا التَّنْزِيهَ عَنْ جَمِيعِ أَنْوَاعِ التَّشْبِيهِ. اهـ. وليس معنى اليمين هنا الجارحة تنزه الله عن مشابهة المخلوقات. الله تعالى منزه عن الجهة والكيف والمكان والاستقرار والجلوس والجسمية والحركة والسكون، سُبْحَانَهُ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ. نرجو نشره