من أحكام الوضوء
بسم الله الرحمن الرحيم
رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ عُثْمَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ “رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم تَوَضَّأَ مِثْلَ وُضُوئِي هَذَا ثُمَّ قَالَ: “مَنْ تَوَضَّأ هَكَذَا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ” وَكَانَتْ صَلاتُهُ وَمَشْيُهُ إِلى الْمَسْجِدِ نَافِلَةً. ومعنى نافِلَةً أَيْ يُثُابُ عَلَى مَشْيِهِ إِلى الْمَسْجِدِ.
وَرَوَى مُسْلِمٌ أَيْضًا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلم قال: “إِذَا تَوَضَّأَ الْعَبْدُ الْمُسْلِمُ فَغَسَلَ وَجْهَهُ خَرَجَ مِنْ وَجْهِهِ كُلُّ خَطِيئَةٍ نَظَرَ إِلَيْهَا بِعَيْنَهِ مَعَ ءاخِرِ قَطْرِ الْمَاءِ فَإِذَا غَسَلَ يَدَيْهِ خَرَجَ مِنْ يَدَيْهِ كُلُّ خَطيئَةٍ كَانَ بَطَشَتْهَا يَدَاهُ مَعَ ءاخِرِ قَطْرِ الْمَاءِ فَإِذَا غَسَلَ رِجْلَيْهِ خَرَجَتْ كُلُّ خَطِيئَةٍ مَشَتْهَا رِجْلاهُ مَعَ ءاخِرِ قَطْرِ الْمَاءِ حَتَّى يَخْرُجَ نَقِيًّا مِنَ الذُّنُوبِ”. وَمَعْنَى الْبَطْشِ عَمَلُ الْيَدِ.
وَرَوَى مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي مَالِكٍ الأَشْعَرِيِّ رَضِي الله عنهُ قالَ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: “الطُّهُورُ شَطْرُ الإيْمَانِ” وَالطُّهُورُ بِضَمِّ الطَّاءِ هُوَ التَّطَهُّرُ فَيَدْخُلُ فِيهِ رَفْعُ الْحَدَثِ الأَكْبَرِ وَالأَصْغَرِ الَّذِي هُوَ الوُضُوءُ وَإِزَالَةُ النَّجَاسَةِ وَالشَّطْرُ مَعْنَاهُ النِّصْفُ فَيَكُونُ مَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّ التَّطَهُّرَ أَمْرٌ عَظِيمٌ جِدًّا في الدِّينِ.
وَرَوَى مُسْلِمٌ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنهُ عنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قال: ما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ يَتَوَضَّأُ فَيُسْبِغُ الْوُضُوءَ ثُمَّ يقُولُ أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ إِلا فُتِحَتْ لَهُ أَبْوابُ الْجَنَّةِ الثَّمَانِيَةُ يَدْخُلُ مِنْ أَيِّهَا شَاءَ”. وَزَادَ التِّرْمِذِيُّ “اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنَ التَّوَّابِينَ واجْعَلْني مِنَ الْمُتَطَهِّرينَ” وَمَعنى يُسْبِغُ الوُضُوءَ يُتِمُّهُ.
قالَ الشَّيْخُ زَكَرِيَّا الأَنْصَارِيُّ في تُحْفِةِ الطُّلابِ: وَمَكْرُوهَاتُ الوُضُوءِ الإسْرافُ في الْمَاءِ وَالزَّيَّادَةُ عَلى الثَّلاثِ وَالنَّقْصُ عَنْهَا لِخَبَرِ أَبِي دَاودَ وَغَيْرِهِ وَهُوَ صَحِيحٌ أَنَّهُ صلى اللهُ عليه وسلم تَوَضَّأَ ثَلاثًا ثَلاثًا ثُمَّ قالَ “هَكَذَا الْوضُوءُ فَمَنْ زَادَ عَلَى هَذَا أَوْ نَقَصَ فَقَدْ أَسَاءَ وَظَلَمَ” وَكَرَاهَتُهُ مِنْ حَيْثُ الاقْتِصَارُ عَلى الْغَسْلَةِ الثَّانِيَةِ فَلا يُنَافي كَوْنَهَا سُنَّةً في ذَاتِهَا اهـ. قَالَ الْحَافِظُ النَّوَوِيُّ في الْمَجْمُوعِ: “مَعْنَى الْحَدِيثِ فَمَنْ زَادَ عَلى الثَّلاثِ أَوْ نَقَصَ مِنْهَا فَقَدْ أَسَاءَ وَظَلَمَ في كُلٍّ مِنَ الزِّيادَةِ وَالنَّقْصِ وَقيلَ أَسَاءَ في النَّقْصِ وَظَلَمَ في الزِّيادَةِ وَقيلَ عَكْسُهُ فَإِنْ قيلَ كَيْفَ يَكُونُ النَّقْصُ عَنِ الثَّلاثَةٍ إِساءَةً وَظُلْمًا وَمَكْرُوهًا وَقَدْ ثَبَتْ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم فَعَلَهُ فَإِنَّهُ تَوَضَّأَ مَرَّةً مَرَّةً وَمَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ قُلْنَا ذَلِكَ لِبَيَانِ الْجَوَازِ وَكَانَ في ذَلِكَ الْحَالِ أَفْضَلَ لأَنَّ الْبَيانَ وَاجِبٌ اهـ.
قَالَ الْفَقيهِ الْعَلامَةُ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الشَّيْبِيُّ الشَّافِعِيُّ: “مَنِ اقْتَصَرَ عَلَى أَقَلَّ مِنْ ثَلاثِ غَسَلاتٍ في الْوُضُوءِ بِلا عُذْرٍ فَوُضُوؤُهُ مَكْرُوهٌ لا ثَوَابَ فِيهِ وَالْعُذْرُ كَأَنْ يَضِيقَ الْوَقْتُ بِحَيْثُ يَخْشَى إِنْ غَسَلَ ثَلاثًا خُرُوجَهُ فَهُنَا لا يَجُوزَ لَهُ أَنْ يَغْسِلَ ثَلاثًا وَإِلا يَكُونُ مُفَوِّتًا لِلْفَرْضِ بِسَبَبِ السُّنَّةِ وكذلك ان كان مريضا أو كان الماء قليلا” اهـ.وعند شمس الدين الرملي يبقى له شىء من الثواب.
ولا يؤثر اذا اقتصر على مسحة واحدة في الرأس والأذنين.
قَالَ ابْنُ حَجَرٍ في الْمِنْهَاجِ الْقَويمِ: “مَعْنَى قَوْلِهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلم في هَذَا الْحَدِيثِ “وَظَلَمَ” أَخَطْأَ طَريقَ السُّنَّةِ في الأَمْرَيْنِ وَقَدْ يُطْلَقُ الظُّلْمُ عَلى غَيْرِ الْمُحَرَّمِ إِذْ هُوَ وَضْعُ الشَّىْءِ في غَيْرِ مَحَلِّهِ” اهـ