صَدقَ الرفاعِي رضي الله عنه لما قالَ لبَعض الناس كأنكم إلى القُبور لا تَنظُرون، وبمن سكَنَها لا تَعتبرون، أينَ ءاباؤُكم ؟ أينَ أجْدادُكم ؟ أينَ الذينَ جَمَعوا مَالا أكثَر منكم؟

Miscellaneous By May 27, 2017



من الشيخ عبد الرزاق الشريف حفظه الله:


يُروَى أنهُ كانَ في زمَنِ عمرَ بنِ الخَطّاب شَابٌّ مُتَعبِّدٌ قَد لَزِمَ المسجِدَ، وكانَ عُمرُ مُعْجَبًا بهِ، وكانَ لهُ أَبٌّ شَيخٌ كبيرٌ، فكَانَ إذَا صَلّى العَتَمةَ انصَرفَ إلى أَبِيهِ، وكانَ طَريقُهُ على بابِ امرأَةٍ فافتَتنَت به، فكانَت تَنصِبُ نفسَها لهُ على طريقِه، فمَرَّ بها ذاتَ ليلةٍ فمَا زَالَت تُغويْهِ حتى تَبِعَها، فلَمّا أتَى البابَ دخَلت وذهَب يَدخلُ

فتَذكّر قَولَ الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ (201)} [سورة الأعراف]؛ فوقَعَ على الأرضِ مَغشِيّاً عليهِ، فدَعتِ المرأةُ جَاريةً لها فتعَاونَتا علَيهِ فَحَمَلتاهُ إلى بابهِ،

فخَرجَ أَبُوه الشّيخ يطلُبُه فإذا بهِ على البابِ مَغشيّا عَليهِ، فدَعَا بَعضَ أهلهِ فحمَلُوه فأَدخَلُوهُ، فمَا أفَاقَ حتى ذهَبَ مِنَ اللّيلِ مَا شَاءَ الله،

فقالَ لهُ أبُوهُ: ما لَكَ؟ قال خَيرٌ، قال فإني أَسألُك، فأخبَرَه بالأمرِ، قالَ: أي بُنيَّ وأيَّ ءايةٍ قرَأتَ؟ فقَرأ الآيةَ التي قرَأ{إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ} فخَرَّ مَغشِيًّا عَليهِ، فحَرَّكُوه فإذَا هوَ مَيِّتٌ، فغَسّلُوه وأَخرَجُوه ودَفنُوه لَيلًا، فلَمّا أَصبَحُوا رُفعَ ذلكَ إلى عمرَ رضي الله عنه، فجاءَ إلى أبيه فعَزّاه به وقال: أَلا ءاذَنتَني قال: يا أمِيرَ المؤمنين، كان الليلُ، فقال عمرُ: اذهَبُوا بنا إلى قَبرِه، قال: فأَتَى عُمَرُ ومَن مَعَهُ القَبرَ، فقال عمرُ مُخَاطِبًا الشابَّ الذي ماتَ مِن شِدّة خوفِه مِنَ الله، قال: يا فلانُ {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ (46)} [سورة الرحمن].

فأجابَهُ الفتى مِن داخِل القَبر: يا عمرُ قَد أَعطَانِيهِمَا ربي عزّ وجَلّ في الجنةِ مَرّتَين. انتهى

والصّالحونَ في الجنةِ لهم مَا لا عَينٌ رأت ولا أُذنٌ سمِعت ولا خَطَرَ على قَلبِ بَشَر، هذه الدّنيا بالنِّسبة للآخِرة كلا شَىء، في الجَنّة قُصُورٌ مِنْ ذَهَب وفِضّة ولؤلؤٍ طُولُ اللؤلؤة سِتّون مِيلاً، فيها أنهارٌ مِن عَسَلٍ مُصَفَّى، ومِن لَبنٍ ومِن مَاءٍ ومِن خمر ليسَ كخَمر الدّنيا الذي يُخبِّلُ العقلَ إنما لذةٌ للشّاربين.

فلَقَد صَدقَ الرفاعِي رضي الله عنه لما قالَ لبَعض الناس كأنكم إلى القُبور لا تَنظُرون، وبمن سكَنَها لا تَعتبرون، أينَ ءاباؤُكم ؟ أينَ أجْدادُكم ؟ أينَ الذينَ جَمَعوا مَالا أكثَر منكم؟

الدنيا مزرعة الآخرة فلينظر كل منا ما هو زارع.

يا من تمتع بالدنيا وبهجَتِها ….

ولا تنامُ عن اللذات عيناهُ

أفنيتَ عمركَ فيما لست تُدرِكهُ ….

تقولُ للهِ ماذا حينَ تلقاهُ؟

اللهم اغفر لنا خطايانا اللهم استرنا فوق الأرض وتحت الأرض ويوم العرض يا رب العالمين.