الله تعالى منزّه عن الجهة والمكان.
وفي معنى العَلِيّ والأعلى في حق الله سبحانه وتعالى قال الإمام اللغوي أبو القاسم الزَّجَاجِيُّ توفي سنة ٣٤٠ للهجرة، في اشتقاق أسماء الله الحسنى: “العلاءُ: أي الرّفعةُ والسَّناءُ والجَلالُ”. وقال: “والعَلِيُّ والعَالي أيضًا بمعنى القاهر والغالب للأشياء”، وليس معنى الأعلى “الحلول في بعض المكان دون بعض جل الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً” قاله الزجاجي كذلك.
وقال الخليل بن أحمد الفراهيدي توفي سنة ١٧٠ للهجرة إن “الله عز وجل هو العَلِيُّ الأعلى المتعالي ذو العَلاءِ والعُلوِّ، فأما العلاءُ فالرفعةُ، والعُلوّ العَظَمَة”.اهـ.
قالَ الحافظُ ابنُ حجرٍ في شرح البخاري: “وقد تقرر أنَّ اللهَ ليسَ بجسمٍ فلا يحتاجُ إلى مكانٍ يستقِرُّ فيه، فقد كانَ (أي الله تعالى في الأزل) ولا مكان” معناه أن الله لا يزال موجوداً بلا مكان.
وفي التنزيلِ قولُهُ تعالى: {سَبِّح اسمَ رَبِّكَ الأَعلَى} نقل الحافظ ابنُ الجوزيِّ الحنبلي عن بعض العلماء قالوا معناه “نَزِّه رَبَّكَ عَمَّا لا يَلِيقُ بِهِ”، والمكان لا يليق بالله لأنه صفة المخلوق وليس صفة الخالق عز وجل.
وذكر العلامة الحافظ اللغوي محمد مرتضى الزبيدي في كتابه إتحاف السادة المتقين شرح إحياء الغزالي ما نصه: وهذا معنى قوله تعالى: “ونحن أقرب إليه من حبل الوريد” أي أعلم منه (اي من العبد) بنفسه. وقوله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم: “واسجد واقترب” دليل على أن المراد به قرب المنزلة ﻻ قرب المكان كما زعمت المجسمة أنه مماسٌّ لعرشه (وهو كفر)، إذ لو كان كذلك (كما تزعم المجسمة) ﻻزداد (اي النبي) بالسجود منه (اي من الله تعالی) بُعداً، (وهذا اي ما تزعمه المجسمة من القرب والبعد من الله بالمسافة والمكان كفر وضلال).اهـ.
قال الإمام الطحاوي (توفي سنة ٣٢١ للهجرة) وهو ينقل إجماع السلف الصالح: “ولا تحويه – أي الله – الجهاتُ الستّ كسائر المبتدَعات” بفتح الدال اي المخلوقات.
فمن حمل الأعلى على المعنى الحسي وهو فاسد، فماذا يقول في قولنا الله أكبر؟، هل يجيز حمل ذلك كذلك على المعنى الحسي وأن الله حجم كبير؟ وهذا ظاهر الفساد.
ثم ماذا يفعل بحديث مسلم: “أقربُ ما يكون العبد من ربه وهو ساجد” فظاهر ذلك يدل على أن الله في باطن الأرض ولا قائل بذلك لأنه كفر لما يقتضيه من التحيز، ومثل ذلك من اعتقد في الله التحيز في السماء أو عليها لأن ذلك كفر من وجهين، فإما أن يعتقد أزلية السماء لأن الله أزلي وصفاته أزلية لأزلية ذاته، أو يعتقد حدوث الله لتحيزه في المخلوق والعياذ بالله تعالى من هذا وذاك، فثبت نقلاً وعقلاً تنزه الله عن المكان لثبوت وجود الله قبل خلق المكان بلا مكان كما يدل على ذلك حديث البخاري وغيره “كان الله ولم يكن شيء غيره”، وقبل ذلك لقول الله تعالى: “ليس كمثله شىء”.