الإنسان العاقل يحفظ نفسه من فتنة الدنيا مهما رزقه الله من القوة والجاه والمال والسيطرة، فكلّ ذلك قد ينقلب في لحظة ما إلى عكس ما كان عليه من النعيم الوافر، فإن كان تـنعّمه بأنواع الملذات مما حرّم الله كان ذلك وبالاً عليه. المسلم العاقل يؤثر الآخرة الباقية على الدنيا الفانية، حتى الحلال يترك كثيراً منه ويقدّم العمل للآخرة في نشر الخير ويبذل ماله ووقته للدفاع عن الدين. هذا حال المسلم العاقل ولا سيما في هذا الزمن وقد انتشر الفساد والضلال.
شدة البلاء على عباد الله الصالحين تكون لرفع درجتهم يوم القيامة وليس لأن الله لا يحبهم.
بعض الناس إذا اندفع عنه ما يكره من بلاء الدنيا ومصائبها يقول الله يحبني، وهذا كلام فاسد، من أين له أن الله دفع عنه ذلك البلاء أو تلك المصيبة لأن الله يحبّه. الله يحب الأتقياء. هؤلاء يحبهم الله ومع ذلك يبتليهم رفعة لدرجتهم في الجنة.
الرخاء والراحة وكثرة الأصدقاء والتوسع في ملذات الطعام والشراب في هذه الدنيا، ليس علامة على محبة الله. وكذلك النجاة من المصائب والبلايا ليس علامة على محبة الله. من آتاه الله من نعمه فليذكر شكر تلك النعم، وشكر النعمة أن لا يعصي الله بها.
من عافاه الله من مصيبة ما فليقل الله لطف بي، الحمد لله. أما أن يقول الله يحبني فليس له ذلك. الأنبياء يحبهم الله ومع ذلك منهم من ابتلي بلاء شديداً. فهذا نبيُّ اللهِ أيوبُ عليهِ السلامُ آتاهُ اللهُ تعالى الصحةَ والمالَ وكثرةَ الأولادِ ولم تفتِنه الدنيا ولم تَشغَلهُ عن طاعةِ ربِّهِ، ثم ابتلاهُ اللهُ بعدَ ذلكَ بشدة شديدة في جسدِهِ ومالهِ وولدِه ثمانيةَ عشرَ عامًا فصبَرَ على ذلكَ صبرًا جميلاً حتى فرَّجَ اللهُ ما بهِ فضلاً منهُ وكرمًا.
سيدنا أيوب مع كونه عالي الرتبة ابتلاه الله ليزيده رفعة إلى رفعته.
وهنا ننبه إلى أنه لا يصحّ ما ينسبه بعضُ الجهال إلى أيوبَ عليه السلامُ من أنَّهُ ابتُليَ في جسمِه بأمراضٍ منفّرةٍ تنفّر الناس عنه، وهذا لا أساسَ لهُ من الصحةِ بل هو أكاذيبُ لا تقومُ بها الحجة. ومن هذه الأكاذيبِ أن الدودَ صارَ يتناثرُ من بدنِهِ فيردّها ويقولُ لها: كُلي من رزقِكِ يا مباركة إلى آخرِ ما يذكرُه بعضُ أهلِ القصصِ. هذا فساد كبير. هذه الحكايةُ لا تجوزُ في حقِّ الأنبياءِ بل هي تستحيلُ عليهم للعصمةِ التي عصمَهمُ اللهُ بها، فهم سالمونَ من الأمراضِ التي تنفِّرُ الناسَ عنهم، وهذه القصةُ فيها غلوٌّ كبير وتكذيبٌ للدينِ وضلالٌ مبينٌ، فكيفَ يليقُ بنبيٍّ من أنبياءِ اللهِ تعالى أن يَرُدَّ الدودَ إلى جسمِه ليتأذى بهِ، الأنبياء لا يفعلون مثل ذلك. هل من أحد رأى إنساناً في عقله يأتي بالدود فيضعه على جسمه ليأكل له جلده ولحمه. هذا لا يفعله أدنى العقلاء فضلاً عن نبي الله أيوب عليه السلام.