قال أبو حنيفة رضي الله عنه إن صفات الله كلها أزلية أبدية وإنها لا تشبه صفات المخلوق بأيّ وجه من الوجوه، ومشهور عنه أنه يكرّر في كتبه تنزيه الله بقوله “بلا كيف” ومعناه التنزيه المطلق. وعلى التنزيه المطلق المأخوذ من قوله تعالى ”ليس كمثله شيء” اتفاق أهل السنة، ومن ذلك قول الإمام الطحاوي الذي متن عقيدته محلّ إجماع: “ومن وصف الله بمعنى من معاني البشر فقد كفر”، معناه الله منزه عن صفات المخلوقات كلها، لأنه لو أشبهها لكان مخلوقاً مثلها من حيث أشبهها، وحاشاه تعالى وهو الخالق الواحد الأحد.
الإمام أبو حنيفة رضي الله عنه ذكر في الفقه الأكبر قال عن الله تعالى: وغضبه ورضاه صفتان من صفاته بلا كيف. وفي الفقه الأبسط قال: لا يُوصف الله تعالى بصفات المخلوقين، وغضبه ورضاه صفتان من صفاته بلا كيف، وهو يغضب ويرضى ولا يقال غضبه عقوبته ورضاه ثوابه. وقال الإمام الطحاوي في عقيدته رحمه الله: والله يغضب ويرضى لا كأحد من الورى.
وهذا كله مردّه إلى أن أبا حنيفة يرى أن صفات الله تعالى كلها أزلية، وليس في ذلك دليل للوهابي، فإن أبا حنيفة أثبت التنزيه المطلق بقوله بلا كيف، فلا التفات إلى الوهابي القائل بكيفية نحن لا نعرفها، فكلام الوهابي مناقض لكلام الإمام الذي نزّه الله عن الكيفية مطلقاً، فإن الرضا والغضب المعهودَين من البشر انفعال نفساني، والله منزه عن ذلك، لاستحالة صفات البشر على ربّ البشر وخالقهم هم وصفاتهم.
فالرضا والغضب صفتان أزليتان لله تعالى كعلمه ومشيئته وقدرته وسائر صفاته سبحانه، وليس غضبه تعالى ورضاه كما يغضب المخلوق ويرضى، ذلك أن غضب المخلوق مخلوق لأن الصفة تتبع الذات، فنحن ذواتنا حادثة فصفاتنا حادثة كذلك، غضبنا حادث ورضانا حادث، أما الله تعالى فليس كذلك بل غضبه صفة أزلية له بلا كيف، وكذلك رضاه صفة أزلية له عز وجلّ بلا كيف، كما أنهما صفتان أبديتان كسائر صفاته تعالى.
وكلام أبي حنيفة دليل على الوهابي وليس دليلاً له، ذلك أن الوهابية قائلة كشيخها ابن تيمية الضال بحدوث صفات الله تعالى وأنها تتجدّد والعياذ بالله. الغضب والرضا عندهم صفتان ذاتيتان لله تعالى، لكنهم يقولون بحدوثهما وتجدّدهما وهذا فساد عريض، لأن معنى ذلك أن الله يتغيّر وهذا ضلال.
كلام الوهابي مخالف لما عليه اعتقاد الإمام أبي حنيفة الذي قال: ”وصفاته (أي صفات الله) في الأزل غير محدَثة ولا مخلوقة، فمن قال إنها مخلوقة أو محدَثة أو وقف أو شك فيها فهو كافر بالله”، فدلّ كلام أبي حنيفة وكلام الطحاوي كذلك، على أن القائل بقول الوهابي في حدوث صفات الله وتغيّرها فهو كافر بلا شك، لأن القول بحدوث الصفات الثابتة لله تعالى إجماعاً يقتضي القول بحدوث الذات المتصفة بتلك الصفات وهو قول بحدوث الله ومخلوقيته وهو كفر من قائله، نسأل الله السلامة من التناقض في المعتقد. ومن المشهور عن الوهابية طعنها في أبي حنيفة وذمه بل منهم من يصرّح بتكفيره، لتنزيهه الله عن الجهة والكيف في أكثر من موضع من كتبه، فاستدلالهم ببعض كلماته يدلّ على نفاقهم نسأل الله السلامة في الدنيا والآخرة، آمين