سؤال: ما معنى الآية “وَقَالَ الَّذِينَ أَشرَكُوا لَو شَاءَ اللَّهُ مَا عَبَدنَا مِن دُونِهِ مِن شَىءٍ نَحنُ وَلا آبَاؤُنَا” (النحل، 35)؟
الجواب عن هذه الشبهة هي أن مشركي مكة قالوا ذلك يستهزئون بما أتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم. قالوا لو كانت أفعالنا مخلوقة لله لكانت بعثة الأنبياء عبثاً، يريدون أن بعثة الأنبياء لا معنى لها. وهذا اعتراض على الله تعالى في إرساله الرسل للدعوة إلى الله. فقول الكفار: إن كان كل شيء بتقدير الله، كانت بعثة الأنبياء عبثاً لا فائدة منها، جار منهم مجرى طلب العلة في أحكام الله تعالى وفي أفعاله، وذلك باطل لأن الله يحكم في ملكه وملكوته ما يشاء، ويفعل ما يريد، ولا يجوز أن يقال له سبحانه: لم فعلت هذا ولم لم تفعل ذلك؟. والدليل على أن الإنكار إنما توجه إلى هذا المعنى أنه تعالى صرّح في الآية بعدها بهذا المعنى فقال تعالى: “ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت”، فبيّن الله تعالى أن سنته في البشر إرسال الرسل إليهم، يأمرونهم بعبادة الله وينهونهم عن عبادة الطاغوت.
ثم قال تعالى: ”فمنهم من هدى الله ومنهم من حقّت عليه الضلالة” والمعنى أنه تعالى وإن أمر الكلّ بالإيمان ونهى الكلّ عن الكفر، إلا أنه تعالى هدى البعض وأضلّ البعض، فهذه سنة قديمة لله تعالى مع العباد، وهي أنه يأمر الكلّ بالإيمان وينهاهم عن الكفر، ثم يخلق الإيمان في البعض والكفر في البعض. ولما كانت سنة الله تعالى في هذا المعنى سنة قديمة في حق كل الأنبياء وكل الأمم والملل، وإنما يحسُن منه تعالى ذلك بحكم كونه إلهاً منزهاً عن اعتراضات المعترضين ومطالبات المنازعين، كان إيراد هذا الكلام من هؤلاء الكفار موجباً للجهل والضلال والبعد عن الله. فثبت أن الله تعالى إنما حكم على هؤلاء المشركين باستحقاق الخزي واللعن ليس لأنهم كذبوا في قولهم: “لو شاء الله ما عبدنا من دونه من شيء”، بل لأنهم اعتقدوا أن كون الأمر كذلك يمنع من جواز بعثة الأنبياء والرسل، وهذا باطل، فاستحقوا على اعتقادهم هذا مزيد الذم واللعن لاستدلالهم بالآية في المنع من بعثة الأنبياء واعتقادهم ان بعثة الأنبياء لا فائدة منها، وعلى ذلك يدلّ سياق الآية.
فظهر أن ما يقوله المعتزلة من أن الإنسان يخلق أفعاله واستدلالهم بكلام كفار مكة يعاكس ما جاء في كتاب الله، وكلامهم هذا شرك بالله كما أن كلام كفار قريش في إنكار بعثة الأنبياء كفر كذلك. المعتزلة يقولون إن أفعال الإنسان ليست بتقدير الله، نعوذ بالله، كذبوا قول الله تعالى: “إنا كل شىء خلقناه بقدر” (القمر، 49).