سؤال: ما قول أهل العلم في الحلاج الفارسي؟
الجواب ما قاله الحافظ ابن حجر العسقلاني في لسان الميزان: الحسين بن منصور الحلاج المقتول على الزندقة. ما روى ولله الحمد شيئاً من العلم (أي لم يكن عالماً ولا محدّثاً ولا فقيهاً)، وكانت له بداية جيدة وتصوّف ثم انسلخ من الدين وتعلم السحر وأراهم المخاريق. أباح العلماء دمه فقُتل سنة 309 هـ. والناس مختلفون فيه وأكثرُهم على أنه زنديق ضال (منهم من قال لم يكن في عقله حين قال ما قال من الكلمات الخبيثة، فحكمه حكم المجنون أي أنه في ذلك مرفوع عنه القلم). قال ابن حجر: قال محمد بن يحيى الرازي: سمعتُ عمرو بن يحيى المكّي يلعنُ الحلاج ويقول لو قدرتُ عليه لقتلته بيدي، قلتُ: أيش الذي وجد الشيخ عليه؟ قال: قرأتُ آية من كتاب الله فقال (الحلاج) يمكنني أن أؤلف مثله (والعياذ بالله). ووُجد مع تلميذ له كتاب عنوانه من الرحمن الرحيم (يعني الحلاج نفسه) إلى فلان بن فلان، فوُجّه إلى بغداد قال فأحضر وعُرض عليه فقال (الحلاج) هذا خطي وأنا كتبتُه. فقالوا له كنت تدّعي النبوة فصرتَ تدّعي الربوبية، فقال: ما أدّعي الربوبية ولكن هذا عين الجمع (كلامه هذا عقيدة الحلولية يعني أن الله والمخلوق شيء واحد، وهو كفر بلا شك)، (وقال أي الحلاج:) هل الفاعل إلا الله وأنا واليد آلة. قال ابن حجر بعد ذلك: ولا أرى يتعصّب للحلاج إلا من قال بقوله الذي ذكر أنه عين الجمع، فهذا قول أهل الوحدة المطلقة (أي وهو كفر وضلال). انتهى من لسان الميزان. ومن الناس من لم يعرف حقيقة أمر الحلاج وحسّن فيه الظن، فهذا نبيّن له حقيقة حاله والله المستعان.
كذلك طعن فيه الإمام الرفاعي وهو من أكابر الصوفية أهل العلم، قال رضي الله عنه في البرهان المؤيد: ينقلون عن الحلاج أنه قال أنا الحق (أي أنا الله والعياذ بالله)، أخطأ بوهمه لو كان على الحق ما قال أنا الحق. يذكرون له شعراً يوهم الوحدة (أي وحدة الوجود وأن الله والعالم شيء واحد وهو ضلال)، كل ذلك ومثله باطل. ما أراه رجلاً واصلاً أبداً. ما أراه شرب، ما أراه حضر، ما أراه سمع إلا رنة أو طنيناً فأخذه الوهم من حال إلى حال.. إياكم والقول بهذه الأقاويل، إن هي إلا أباطيل. درج السلف على الحدود (التزام أمر الشريعة) بلا تجاوز. بالله عليكم، هل يتجاوز الحدّ إلا الجاهل؟ هل يدوس عنوة في الجب إلا الأعمى؟ ما هذا التطاول؟ وذلك المتطاول ساقط بالجوع، ساقط بالعطش، ساقط بالنوم، ساقط بالوجع، ساقط بالفاقة، ساقط بالهرم، ساقط بالعناء (يردّ على الحلاج دعواه الألوهية والعياذ بالله). أين هذا التطاول من صدمة صوت “لمن المُلك اليوم” (صوت الملَك من الملائكة ينادي بأمر الله والله منزه عن الصوت والحرف واللغة العربية وغيرها، متصف بالكلام بلا كيف).
وقال السيد الرفاعي الكبير: العبد متى تجاوز حدّه مع إخوانه يعدّ في الحضرة ناقصاً (يريد فكيف من تجاوز الحد في الأدب مع الله بدعوى الألوهية كما فعل الحلاج). التجاوز علم (بفتح العين واللام يريد أنه علامة) نقص يُنشر على رأس صاحبه يشهد عليه بالدعوى، يشهد عليه بالغفلة، يشهد عليه بالزهو، يشهد عليه بالحجاب. يتحدث القوم (الصوفية) بالنّعم (جمع نعمة) لكن مع ملاحظة الحدود الشرعية.اهـ أي فمن تجاوز حدّ الشريعة كان ممكوراً به وهو رأي الرفاعي في الحلاج كما هو ظاهر. والعجب أن بعض الناس ينقلون كلمات الحلاج الخبيثة وكأن الصوفية ليس فيهم إلا الحلاج وأمثاله من الحلولية. الأقل من الصوفية قبلوه واعتبروه من أهل الحال، قالوا لم يكن في عقله حين قال ما قال من الكلمات الخبيثة، وإلا فقوله عن الله تعالى “حتى ظننت كأنك أنّي”، هذا من أبشع الكفر والضلال نعوذ بالله، من اعتقد ذلك أو استحسنه أو ظن أن الشرع يقبل مثل ذلك فهو ضالّ يجبُ عليه أن يقول الشهادتين بلسانه ليرجع مسلماً.