في فضل الأيام العشر الأول من شهر ذي الحجة،
يقول الله تعالى: “والفجر وليال عشر” (سورة الفجر). قوله تعالى “والفجر” هُوَ قَسَمٌ أَقْسَمَ الله تَعَالَى بِهِ، وَهُوَ انْفِجَارُ الصُّبحِ مِنْ أُفُقِ الْمَشْرِقِ، وَقَدْ أَقْسَمَ تَعَالَى بِهِ كَمَا أَقْسَمَ بِالصُّبحِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّس﴾ [سُورَةَ التَّكْوِير/18]، وَيُرَادُ بِالْفَجْرِ هُنَا صبح كُلِّ يَوْمٍ لما فيه من البركة العظيمة.
وقوله تعالى: “وَلَيَالٍ عَشْرٍ” وَهذَا قَسَمٌ ثَانٍ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هي عَشْر الأَضْحَى، وَهِيَ الْعَشْرُ الأُوَلُ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ لِحَدِيثِ جَابِرٍ فِي صَّحِيحَيْ أَبِي عُوَانَةَ وَابْنِ حِبَّانَ: “مَا مِنْ أَيَامٍ أَفْضَل عِنْدَ الله مِنْ أَيَامِ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ”.
فعمل البر والإحسان فيها يزيد على ما سواه والأعمال الصالحة تزكو عند الله أكثر مما إذا عملت في غيرها. وقد روي في خصوص صيام أيامه وقيام لياليه وكثرة الذكر فيه أحاديث وآثار. وفي حديث جابر في صحيحي أبي عوانة وابن حبان ”ما من أيام أفضل عند الله من أيام عشر ذي الحجة“.
ويختص عشر ذي الحجة في حق الحاج بأنه زمن سوقهم للهَدي الذي به يكمل فضل الحج ويأكلون من لحومه في آخر العشر وهو يوم النحر. وأما أهل الأمصار فإنهم يشاركون الحاج في عشر ذي الحجة في الذكر وفي الأضاحي، فإن من دخل عليه العشر وأراد أن يضحي فلا يأخذ من شعره ولا من أظفاره شيئا كما روت ذلك أم سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم، خرج حديثها مسلم.
ولفظ الحديث عن أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “إذا رأيتم هلال ذي الحجة وأراد أحدكم أن يضحي فليمسك عن شعره وأظفاره”، وفي لفظ في مسلم: عن أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: “إذا دخلت العشر وأراد أحدكم أن يضحي فلا يمس من شعره وبشره شيئاً”.
وأما مشاركتهم لهم في الذكر في الأيام المعلومات فإنه يشرع للناس كلهم الإكثار من ذكر الله في أيام العشر خصوصاً، ففي مسند الإمام أحمد عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “ما من أيام أعظم عند الله ولا أحب إليه العمل فيهن من هذه الأيام العشر فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد”.
وذكر البخاري في صحيحه، باب فضل العمل في أيام التشريق: وقال ابن عباس: “واذكروا الله في أيام معلومات”، أيام العشر، والأيام المعدودات أيام التشريق، وكان ابن عمر وأبو هريرة يخرجان إلى السوق في أيام العشر يكبران ويكبر الناس بتكبيرهما.
فدل ما تقدم من الآية والحديث على أن العمل في أيام العشر الأول من ذي الحجة فيها فضل وبركة عظيمة، وعمل البر والإحسان فيها يزيد على ما في سواها، والأعمال الصالحة تزكو عند الله فيها أكثر مما إذا عملت في غيرها، رزقنا الله الاجتهاد فيها وفي غيرها بعمل الطاعات ونشر الخيرات، وختم لنا بالحسنى بجاه سيد السادات صلى الله عليه وسلم، آمين