سؤال: ما هو تفسير الآية: “فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُم” [الصف، 5]؟
الجواب: ليُعلم أولاً أن الله تعالى هو خالق كل شىء، سواء في ذلك أفعال العباد أو أجسامهم وسائر صفاتهم، بل وسائر المخلوقات كلها بلا استثناء. كل شىء بقدر، أي بتقدير الله تعالى وبعلمه سبحانه. والآية المسؤول عنها ليست حجة لمن قال إن إرادة الله تابعة لمشيئة العباد، بل هذا فساد كبير. الله تعالى قال: “وما تشاؤون إلا أن يشاء الله” (الإنسان، 30)، فهذه الآية معناها أن مشيئة الله تعالى هي الغالبة لمشيئة العباد، فمن جعل مشيئة الله تابعة لمشيئة المخلوقات فهو ضال.
وليس في آية سورة الصف المتقدمة الذكر أن الكفار خلقوا الزيغ في أنفسهم، بل فيها إخبار بحصول الزيغ منهم وذلك حصل منهم بتقدير الله تعالى بدليل الآيات والأحاديث المتعددة التي تفيد أن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن. فمن فهم من آية سورة الصف أن الكافر يخلق زيغ نفسه وجعل مشيئة الله تابعة لمشيئة الكفار فهذا كفر من وجوه متعددة.
قال الإمام الرازي في تفسيره: “ولا يبعد أن يقال إن الله تعالى يزيغهم ابتداء فعند ذلك يزيغون، ثم يترتب على هذا الزيغ إزاغة أخرى سوى الأولى من الله تعالى وكل ذلك لا منافاة فيه” يريد أن ذلك الزيغ بخلق الله تعالى وحده لا شريك له.
وقال النسفي: “فلما زاغوا” مالوا عن الحق، أزاغ الله قلوبهم من الهداية؛ أو لما تركوا أوامره نزع نور الإيمان من قلوبهم؛ أو فلما اختاروا الزيغ أزاغ الله قلوبهم أي خذلهم وحرمهم توفيق اتباع الحق”.
وقال القرطبي: “فلما زاغوا” أي مالوا عن الحق “أزاغ الله قلوبهم” أي أمالها عن الهدى. وقيل: فلما زاغوا عن الطاعة أزاغ الله قلوبهم عن الهداية. وقيل: فلما زاغوا عن الإيمان أزاغ الله قلوبهم عن الثواب. وقيل: أي لما تركوا ما أمروا به من احترام الرسول عليه السلام وطاعة الرب، خلق الله الضلالة في قلوبهم عقوبة لهم على فعلهم”. وكلام أئمة العلم كله في ذلك وما أشبهه أن الله تعالى هو الخالق وما سواه سبحانه مخلوق. قال الله تعالى: “قل الله خالق كل شىء” (الرعد، 16).