كَانَ أَئِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ كَالشَّافِعِيِّ يَرَوْنَ التَّبَرُّكَ بِمَا مَسَّهُ جِلْدُ رجل صَالِحٍ، فَمَا بَالُكَ بِمَا مَسَّهُ أَفْضَلِ الْخَلْقِ سيدنا محمد أَوْ كَانَ جُزءاً مِنْهُ كَشَعَرِهِ الشريف صلى الله عليه وسلم!

Arabic Text By Feb 09, 2017

في هذه القصة دلالة على علوّ مرتبة الإمام الشافعي رضي الله عنه وقوة فراسته حين سأل تلميذه الربيع ماذا أعطاك الإمام أحمد. وفيها كذلك إشارة إلى علو قدر الشافعي حين كان هو من طلب منه الرسول مناماً أن يبلغ الإمام أحمد ما أبلغه من البشارة، وكأن ذلك ليزداد ما في قلب أحمد من احترام شيخه وأستاذه الإمام الشافعي رضي الله عنهما.

ففي طَبَقَاتِ الشَّافِعِيَّةِ الْكُبرَى لتاج الدين السُّبْكِي رحمه الله: “قَالَ الرَّبيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ إِنَّ الشَّافِعِيَّ رضيَ اللهُ عَنْهُ خَرَجَ إِلى مِصرَ فَقَالَ لي: يَا رَبِيعُ خُذْ كِتَابي هَذَا فَامْضِ بِهِ وَسَلِّمْهُ إِلى أَبي عَبْدِ اللهِ – يَعْنِي الإمامَ أَحْمَدَ بن حنبل – وَائتِنِي بِالْجَوَابِ، قَالَ الرَّبيعُ: فدَخَلْتُ بَغْدَادَ وَمَعِي الْكِتَابُ فَصَادَفْتُ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ في صَلاةِ الصُّبْحِ فَلَمَّا انْتَقَلَ  مِنَ الْمِحْرَابِ سَلَّمْتُ إِلَيْهِ الْكِتَابَ وَقُلْتُ هَذَا كِتَابُ أَخِيكَ الشَّافِعِيِّ مِنْ مِصرَ، فَقَالَ لي أَحمَدُ: نَظَرتَ فِيهِ؟ فَقُلْتُ: لا، فَكَسَرَ الْخَتْمَ وَقَرَأَهُ وَتَغَرْغَرَتْ عَيْنَاهُ، فَقُلْتُ لَهُ: أَيْشٍ فِيهِ يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ؟ فَقَالَ: يَذْكُرُ فِيهِ أَنَّهُ رَأَى رَسُولَ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم في النَّوْمِ فَقَال لَهُ: اكْتُبْ إِلى أَبي عَبْدِ اللهِ وَاقرأ عَلَيْهِ السَّلامَ وَقُلْ لَهُ إِنَّكَ سَتُمْتَحَنُ فَلا تُجِبْهُمْ فَيَرْفَع اللهُ لَكَ عَلَمًا إِلى يَوْمَ الْقِيامَةِ. قَالَ الرَّبِيعُ: فَقُلْتُ لَه: الْبِشَارَةَ يا أَبَا عَبْدِ اللهِ، فَخَلَعَ أَحَدَ قَمِيصَيهِ الَّذِي يَلِي جِلدَهُ فَأَعطَانِيهِ، فَأَخَذْتُ الْجَوَابَ وَخَرَجْتُ إِلى مِصْرَ وَسَلَّمْتُهُ إِلى الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فقالَ: أَيْشٍ الَّذِي أَعْطَاكَ؟ فَقُلْتُ: قَمِيصهُ، فَقَالَ: لَيْسَ نَفْجَعُكَ بِهِ وَلَكِنْ بُلَّهُ وادْفَعْ إِليّ الْمَاءَ لأَتَبَرَّكَ بِهِ”اهـ.

فَانْظُرْ أَيُّهَا الْقَارِئُ بِإِنْصَافٍ كَيْفَ كَانَ أَئِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ كَالشَّافِعِيِّ يَرَوْنَ التَّبَرُّكَ بِمَا مَسَّهُ جِلْدُ رجل صَالِحٍ، فَمَا بَالُكَ بِمَا مَسَّهُ أَفْضَلِ الْخَلْقِ سيدنا محمد أَوْ كَانَ جُزءاً مِنْهُ كَشَعَرِهِ الشريف صلى الله عليه وسلم!

فَمَن أين يَكُونُ بَعْدَ هَذَا كَلام لمَنْ يَمْنَعُ التَّبَرُّكَ بِالصَّالِحِينَ أَوْ بِآثَارِهِم؟ هؤلاء الذين يحرّمون ذلك كلامهم ليس إِلا كَالْهَبَاءِ الْمَنْثُورِ الَّذِي لا يُقَامُ لَه وَزْنٌ لدى من لديه عقل وإيمان بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم.