القول الصحيح في تأويل قوله عز وجلّ: “قَد جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ” (المائدة، 15).
قال أبو جعفر الطبري (ت 310 هـ.) في تفسيره: يقول جل ثناؤه لهؤلاء الذين خاطبهم من أهل الكتاب: “قد جاءكم” يا أهل التوراة والإنجيل “من الله نور”، يعني بالنور محمدًا صلى الله عليه وسلم الذي أنار الله به الحقَّ، وأظهر به الإسلام، ومَحَقَ به الشرك، فهو نور لمن استنار به يُبيِّن الحق. ومن إنارته الحقَ تبيينُه لليهود كثيرًا مما كانوا يُخفون من الكتاب. وقوله: “وكتاب مبين”، يقول جل ثناؤه: قد جاءكم من الله تعالى النور الذي أنار لكم به معالم الحق، “وكتاب مبين” يعني كتابًا فيه بيان ما اختلفوا فيه بينهم من توحيد الله وحلاله وحرامه وشرائع دينه، وهو القرآن الذي أنزله الله على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم يبيّن للناس جميع ما بهم الحاجةُ إليه من أمر دينهم ويوضحه لهم حتى يعرفوا حقَّه من باطله.ا.هـ.
وهذا واضح في ان المراد بالنور هنا ليس الضوء ولكنه نور الحق والهداية الذي أتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال ابن السيد البطليوسي (521 هــ.) وهو عالم أندلسي كبير، في تنزيه الله تعالى: “ومما غلطت فيه المجسمة (فئة ضالة يعتقدون أن الله جسم وهذا كفر) أيضاً في تفسيرهم قول الله تعالى “الله نور السماوات والأرض”، فتوهّموا أن ربهم نور (أي بمعنى الضوء)، تعالى الله عن قول الجاهلين علواً كبيراً، وإنما المعنى الله هادي أهل السموات (أي من الملائكة) والأرض (أي من مؤمني الإنس والجن). والعرب تسمّي كلَّ ما جلّى الشبهات وأزال الالتباس وأوضح الحق نوراً. قال الله تعالى “وأنزلنا إليكم نوراً مبيناً” يعني القرآن، وعلى هذا المعنى سمّى (الله) نبيّه صلى الله عليه وسلم “وسراجاً منيراً” وقال العباس بن عبد المطلب يمدح النبي صلى الله عليه وسلم “وأنت لما ظهرتَ أشرقَت الأرض وضاءت بنورك الأفق”، وعلى هذا مجرى كلام العرب. اهـ.
فانظر إلى قوله: “والعرب تسمّي كل ما جلّى الشبهات وأزال الالتباس وأوضح الحق نوراً..” إلى آخره، وليس معنى “وسراجاً منيراً” أن الرسول مخلوق من الضوء ولا أنه صلى الله عليه وسلم ضوء.
وأنكر الحافظ السيوطي وغيره ما في بعض الكتب مما لا إسناد له وفيه بعض ذلك الكلام الذي لا أصل له، ويسمي بعضهم ذلك حديث جابر ولا أصل له عن جابر ولا عن غيره من الصحابة الكرام رضي الله عنهم، ولا هو في مسند عبدالرزاق ولا في غيره من كتب الحديث الشريف.
وقال الطبري في تفسيره: القول في تأويل قوله تعالى: “قل إنما أنا بشر مثلكم يُوحى إليّ” (سورة الكهف، الآية 110). يقول تعالى ذكره: قل لهؤلاء المشركين يا محمد: إنما أنا بشر مثلكم من بني آدم لا علم لي إلا ما علّمني الله. ا.هـ. فالرسول بشر ابن أبويه صلى الله عليه وسلم بنصّ كتاب الله تعالى.
قال الإمام أبو حنيفة رضي الله عنه: الله تعالى موجود بلا كيف ولا مكان.
أخي كن ناشراً للخير لا تدعه يقف عندك. الدعاء أرجو لكاتبه وناشره رحمنا الله دنيا وآخرة وفرج كربنا ورزقنا رؤية نبيّه صلى الله عليه وسلم عاجلا وآجلا مع السداد والعافية، آمين