تفسير قوله تعالى “وجاء ربك والملك صفًا صفًا
يوم القيامة ينزلُ ملائكةٌ كثير يُحيطون بالإنس والجنّ هم يكونون ضمن سبعة صفوف، الملائكةُ يكونون في سبعة صفوف في وقت من الأوقات الكافرُ يُنكرُ أنَّهُ كان يعبُدُ غيرَ الله. فإن قيل: فقد قال تعالى: {كَلاَّ إِنَّهُمْ عَن رَّبّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ } (المطففين: 15) وقال: {وَلاَ يُسْأَلُ عَن ذُنُوبِهِمُ ٱلْمُجْرِمُونَ } (القصص: 78) وقال: {وَلاَ يُكَلّمُهُمُ ٱللَّهُ} (البقرة: 174) وهذا يتناول بعمومه جميع الكفار. قلنا: القيامة مواطن، فموطن يكون فيه سؤال وكلام، وموطن لا يكون ذلك فلا تتناقض الآي والأخبار، والله المستعان.
قال عكرمة: القيامة مواطن يسأل في بعضها ولا يسأل في بعضها. وقال ابن عباس: لا يسألون سؤال شفاء وراحة، وإنما يسألون سؤال تقريع وتوبيخ لم عملتم كذا وكذا، والقاطع لهذا قوله تعالى: {فَوَرَبّكَ لَنَسْـئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } (الحجر: 92 ـــ 93) .
قال أهل التأويل: عن لا إلٰه إلاّ الله. وقد قيل إن الكفار يحاسبون بالكفر بالله الذي كان طول العمر دثارهم وشعارهم، وكل دلالة من دلائل الإِيمان خالفوها وعاندوها، فإنهم يبكتون عليها ويسألون عنها: عن الرسل وتكذيبهم إياهم لقيام الدلائل على صدقهم.
وقال تعالى: {وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱتَّبِعُواْ سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَـٰيَـٰكُمْ وَمَا هُمْ بِحَـٰمِلِينَ مِنْ خَطَـٰيَـٰهُمْ مّن شَىْء إِنَّهُمْ لَكَـٰذِبُونَ وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالاً مَّعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْـئَلُنَّ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ عَمَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ } (العنكبوت: 12 ـــ 13) والآي في هذا المعنى كثيرة، ومن تأمل آخر سورة المؤمنين {فَإِذَا نُفِخَ فِى ٱلصُّورِ} (المؤمنون: 101) إلى آخرها تبين له الصواب في ذلك، والحمد لله على ذلك.ففى موقف من مواقف القيامة اللهُ يَختمُ على فم الكافر فتنطقُ أعضاؤه، تشهَدُ عليه أعضاؤه بما كان يَعمَلُ من الكفر، هذا من العجائب التي يُظهرُها اللهُ يومَ القيامة كذلك الأرض التي كان عملَ عليها الانسانُ شرًّا أو خَيرًا، اللهُ يُنطقُها ، هذا الجزءُ من الأرض يشهَدُ عليه بما فَعَلَ من السيئات ويشهَدَ للمؤمن بما فَعلَ من الخيرات. الذهبُ الذي كان الشخصُ لا يُزكّيه يكونُ جَمرًا يُعيدُهُ اللهُ فيُحَمى في نار جَهَنَّم يصير مثل الجمر ثم يكوى به جنب وجبهة وظهر الذي كان لا يُزَكّيه. ويُعيدُ اللهُ البقرَ الذي كان لا يُزَكّيه الشَّخصُ فتنطحه بقرونها وكذلك الإبل تدوس بخفافها الشخص الذي كان لا يُزَكّيها وكذلك في ذلك اليوم تَظهَرُ عجائبُ أخرى. هذه العجائب اللهُ قالَ عنها: “وجاء ربك والملَكُ صفًّا صفًّا”. وجاءَ ربُّكَ معناهُ تلك العجائب التي تَظهَرُ يوم القيامة. ثمَّ الملائكةُ يَجُرُّون جُزءًا من جَهَنَّم كبيرًا سبعون ألف ملَك بسبعين ألف سلسلة يَجُرُّونها إلى حيثُ يراها الكفار قبل أن يدخُلُوا جَهَنَّم. ولو كان يوجد موت هناك لمات الكفار من شدّة هول ذلك المنظر لكن هناك في الآخرة لا يوجد موت. في الدنيا مَن اشتَدَّ عليه الألم قد يموت أمَّا في الآخرة لا يموت. أهلُ السُّنَّة يقولون: “وجاء ربُّك والملَك”، وجاء ربُّك أي ظهَرَت عجائبُ قُدرة الله لا يقولون جاء الله من فوق إلى تحت لا، هذا كفر. الوهابيةُ يقولون الله يأتي من فوق إلى الأرض المبدلة ليُحاسب الخَلق جَعلوا اللهَ سبحانه وتعالى كالملِك الذي يُقابلُ الرعية. اللهُ يُحاسب الخَلقَ بكلامه الذي ليس حرفًا ولا صوتًا ليس مقابلة، اللهُ مُستحيل أن يكونَ بينَهُ وبين شىءٍ من خلقه مُقابلة، مُستحيل أن يكونَ بين الله وبين شىء من خلقه مُقابلة، إنّما يُحاسبهم بكلامه يُسمعُهم كلامَه الذي هو ليس حرفًا ولا صوتًا ولا لغةً فيَفهمون منه السُّؤال أعطيتك كذا وكذا أنت فعلت كذا وكذا يفهمون، أنت فعلت كذا وكذا يوم كذا أنا أنعمتُ عليك بكذا لم فعلتَ كذا. الوقوفُ بينَ يدي الله ليس مَعناه أنَّ الخَلقَ يكونون في مُقابلة مع الله يومَ القيامة، اللهُ موجودٌ بلا مكان ولا جهة لا هو قريبٌ بالمسافة ولا هو بعيدٌ بالمسافة. الجسمُ إمَّا أن يَكونَ قريبًا منك بالمسافة أو بعيدًا عنك بالمسافة، القُربُ بالمسافة للحجم ليس لله، الذي يَظُنُّ أنَّ الوقوفَ بين يدي الله يوم القيامة القرب منه بالمسافة هذا ما عَرَفَ الله. الوهابيةُ يُفَسّرُون ءايات القرءان على الظاهر وهذا لا يجوز، الذي يُفَسّر كُلّ ءايات القرءان على الظاهر يَكفر كما قالَ سيّدُنا أحمدُ الرّفاعي رَضيَ اللهُ عنه:صونوا عقائدكم من التّمسّك بظواهر ما تشابه من الكتاب والسّنّة فإن ذلك من أصول الكفر.ا.هـ أى أوقع كثيرا من الناس فى الكفر. كذلك أهلُ السُّنَّة يقولون المؤمنون بعد أن يستَقرّوا في الجنّة يَرَون الله، ليس مَعناه أنَّ الله مُستَقرٌّ في الجَنَّة، وليس مَعناهُ أنَّهم يرونَهُ ذاتًا قريبًا منهم وليس معناه أنَّهم يَرَونَهُ ذاتًا بعيدًا عنهم، يَرَونَهُ بلا كيف ولا جهة لا يَرَونَهُ هكذا إلى فوق ولا يَرَونَهُ هكذا مُتَحَيّزًا إلى يمينهم ولا يَرَونَهُ مُتَحَيّزًا إلى جهة تحت بل بلا كيفٍ ولا جهة يرونَهُ عندما يكونون في الجَنَّة، هُم في الجنَّة أمَّا اللهُ فَهُوَ مَوجُودٌ بلا مكان. الخلقُ تَراهُ وأنت تَنظُرُ إلى فوق أو تحت أو أمام أو إلى خلف ليس هكذا يرى المؤمنون الله. أهلُ السُّنَّة كُلُّ هذا فَهمُوه من حيثُ العقلُ أي أنَّ الخالقَ موجودٌ بلا جهة ولا مكان، القُربُ المسافيُّ والبُعدُ المسافيُّ هذا صفةُ الخَلق، أمَّا من القُرءان فمن قوله تعالى: “ليس كمثله شىء”، نحنُ أَخَذنا من الدَّليل العَقلي ومن هذه الآية أنَّ اللهَ مَوجودٌ بلا مكان ولا جهة.
ثُمَّ أهلُ الجَنَّة لمّا يَرَونَ اللهَ بعد استقرارهم في الجَنَّة لا يَشُكُّون أنَّهُ الله لأنَّهم رَأَوا شيئًا لا مثلَ له لذلك لا يَشُكُّون أنَّهُ الله. إ.هـ