في بيان الشفاعة ومعناها،
شَّفَاعَةُ الأنبياء والشهداء والصالحين حَقٌّ وصدق، والشفاعة هي سُؤالُ الخَيرِ منَ الغَيرِ لِلْغَيرِ، فيَشْفَعُ النَّبيُّونَ والعُلَماءُ العَامِلُونَ والشُّهدَاءُ والملائكةُ، ويشفَعُ نبيُّنا لأهلِ الكبَائرِ مِن أمَّتِه كما جاء في الحديث الشريف. فيجبُ الإيمانُ بالشّفاعَةِ التي ادَّخَرَهَا النبيُّ صلى الله عليه وسلم لأمّتِهِ والشفاعةُ في الآخرةِ تكونُ لتخليصِ الناسِ من حَر الشمسِ يومَ القيامَةِ وهذه لسيدنا محمدٍ، أما الكفار فينتقلون من حرّ الشمسِ إلى عذابٍ أشد.
ومن الشفاعَةِ الشفاعَةُ في إخراجِ بعضِ عُصَاةِ المسلمينَ الذين ماتوا بلا توبةٍ من جهنمَ (وليس كل عاص من المسلمين يعذب في جهنم)، وهذه يشتركُ فيها الرسولُ وغيرُهُ فقد قالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم “يخرجُ ناسٌ من النارِ بشفاعَةِ محمدٍ” رواه البخاريُّ، ومن هذا الحديثِ ونحوهِ يُعلَمُ أنه لا بُدَّ أن يدخلَ بعضُ عصاةِ المسلمينَ النارَ، فلا يجوزُ الدعاءُ بنجاةِ جميعِ المسلمينَ من دخولِ النارِ، وفسادُ هذا الكلامِ ظاهر لأنه ثبت أن الرسولَ يشفَعُ لبعضِ أمتِهِ في إخراجهم من النارِ.
والذين يحتاجونَ للشّفاعَةِ هم أهلُ الكبائِرِ أمَّا الأتقياءُ فلا يحتاجونَ للشفاعَةِ، فَقد جَاءَ في الحَديثِ الصَّحيحِ ”شَفَاعَتِي لأَهْلِ الكبَائرِ مِن أمَّتي” رَواهُ ابنُ حِبّانَ، معناه أن غَير أهْلِ الكَبَائرِ لَيْسُوا بحَاجَةٍ للشَّفَاعةِ، وتَكُونُ لبَعْضِ أولئك قبلَ دخولِهِمُ النّارَ ولِبَعْضٍ بَعدَ دخُولِهمْ قَبْلَ أن تَمضِيَ المُدَّةُ التي يَسْتَحِقُّونَ بِمَعَاصِيْهِم، ولا تكونُ للكُفَّارِ، قَالَ الله تَعالى ”ولا يشفعون إلاَّ لمن ارتضى” (سورة الأنبياء، 28).
معنى حديث “شفاعَتي لأهلِ الكبائِرِ من أمّتي” أنَّ غير أهلِ الكبائِرِ لا يحتاجونَ للشَّفاعَةِ للإنقاذِ من العذابِ، وكذلكَ لا يحتاجُ للشّفاعَةِ الذين ماتوا وهم تائبونَ.
وأوَّلُ شَافِعٍ يَشْفَعُ هُوَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم. النَّبيُّ عليه الصَّلاةُ والسّلامُ هو أوَّلُ من يشفعُ وأوَّلُ من تُقبَلُ شفاعَتُهُ، فهو يختصُّ بالشّفاعَةِ العُظمَى وقد سُمّيت بذلكَ لأنّها لا تختصُّ بأمّتِهِ فقط بل ينتفعُ بها غير أمّتِهِ من المؤمنينَ، وهي لتخليصهم من الاستمرارِ في حَرّ الشّمسِ في الموقِفِ، فإنَّ النّاسَ عندما يكونونَ في ذلكَ الموقف يقولُ بعضهم لبعضٍ: تعالوا لنذهبَ إلى أبينا ءادم ليشفَع لنا إلى ربّنا، فيأتونَ إلى ءادم يقولون: يا ءادمُ أنت أبو البشرِ خَلَقَكَ الله بيدِهِ ـ أي بعنايةٍ منه ـ وأسجَد لكَ ملائكتهُ فاشفَع لنا إلى ربّنا، فيقولُ لهم: لستُ فلانًا، اذهبوا إلى نوحٍ، فيأتونَ نوحًا فيطلبونَ منه، ثمّ يقولُ لهم: ايتوا إبراهيمَ، فيأتونَ إبراهيم، ثم إبراهيمُ يقولُ لهم: لست فلانًا، معناهُ أنا لستُ صاحبَ هذهِ الشّفاعَةِ، فيأتونَ موسى فيقولُ لهم: لستُ فلانًا، فيقول لهم: ايتوا عيسى، فيأتونَ عيسى فيقولُ لهم: لست فلانًا ولكن اذهبوا إلى محمّدٍ، فيأتونَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فيسجدُ النَّبيُّ لربّهِ فيُقَالُ له: ارفع رأسَكَ واشفَع تُشَفَّع وسَل تُعطَ (وكلام الله صفته ليس حرفاً ولا صوتاً)، هذه تُسمَّى الشّفاعة العظمَى لأنّها عامَّةٌ. وأما الكفارُ فلا ينتفعونَ بها لأنهم يُنقَلونَ من هذا الموقفِ إلى موقفٍ أشدّ لا يستفيدونَ تخفيفَ مشقةٍ ولا نَيلَ راحَةٍ.
ولا تكونُ الشّفاعَةُ إلا لمن آمنَ بمحمّد، ولذلكَ قالَ لابنتِهِ فاطمةَ أوّل ما نَزَلَ عليهِ القرءانُ ”يا فاطمةُ بنت محمّدٍ سَليني ما شئتِ من مالي لا أُغني عنكِ مِنَ الله شيئًا” رواه البخاري، ومعناهُ لا أستطيعُ أن أنقذَكِ من النَّارِ إذا لم تؤمني، أما في الدّنيا أستطيعُ أن أنفعَكِ بمالي، أمَّا في الآخرةِ لا أستطيعُ أن أنفعَكِ إن لم تَدخلي في دعوةِ الإسلام.