قال بعض الطيّبين:❤ لكُلِّ قلبٍ حبيبٌ يُستهامُ بِه.. لكن حَبيبي رسول اللهِ أحتسِبُ❤
الدليل الجلي الواضح على جواز الاحتفال بمولد رسول الله ﷺ.
لِيُعلَم أن تحليل أمر أو تحريمه إنما هو وظيفة المجتهد كالإمام مالك والشافعي وأبي حنيفة وأحمد بن حنبل رضي الله عنهم وعن سائر السلف الصالح، وليس لأي شخص ألّف مؤلفًا صغيرًا أو كبيرًا أن يأخذَ وظيفة الأئمة الكرام من السلف الصالح فيُحلل ويحرّم دون الرجوع إلى كلام الأئمة المجتهدين المشهود لهم بالخيرية من سَلف الأمة وخلَفها.
فمَن حرّم ذكر الله عز وجل وذكر شمائل النبي صلى الله عليه وسلم وإطعام الفقراء في يوم مولده عليه السلام بحجة أن النبي عليه السلام لم يفعله نقول له: هل تحرّم المحاريب والمآذن التي في المساجد وتعتقد أنها بدعة ضلالة لأن النبيّ لم يعملها؟! وهل تحرّم جمع القرآن في المصحف ونقطه بدعوى أن النبيّ لم يفعل ذلك؟!
فإن كنتَ تُحرّم ذلك فقد ضيّقتَ ما وسع الله على عباده من استحداث أعمال خير لم تكن على عهد الرسول، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “مَن سَنّ في الإسلام سُنةً حسَنَةً فلَهُ أجرُها وأجرُ مَن عَملَ بها بعده من غير أن ينقُصَ من أُجورهم شىء” رواه مسلم في صحيحه.
وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه بعدما جمع الناس على إمام واحد في صلاة التراويح في رمضان: “نِعمَ البدعة هذه” رواه البخاري في صحيحه.
ومن هنا قال الإمام الشافعي رضي الله عنه: “المُحدَثات من الأمور ضربان (صنفان)، أحدُهما ما أُحدث مما يُخالفُ كتاباً أو سُنةً أو أثراً أو إجماعًا، فهذه البدعة الضـلالة، والثانيـة ما أُحدثَ من الخير لا خلاف فيه لواحد من هذا، وهذه مُحدَثةٌ غير مذمومة” رواه الحافظ البيهقي في كتاب مناقب الشافعي.
ومَن شاءَ فلينظُر ما ذكرَهُ الحافظ ابن حجر العسقلاني وغيره كالسخاوي وابن دحية وغيرهم ممن أقرّوا الاحتفال بالمولد النبوي الشريف واستحسنوه، واستدلوا على ذلك بأدلة متعددة واعتبروه بدعة حسنة ولم ينكروه بل ألفوا فيه المؤلفات.
حتى الذين حرّموا الاحتفال بقراءة القرآن والسيرة الشريفة وذكر الله في شهر ربيع الأول شهر المولد الشريف، هم محجوجون بقول شيخهم الضال ابن تيمية في كتاب له سماه اقتضاء الصراط المستقيم يثبت فيه الأجر والثواب في إحياء المولد.
وبَيَّن السُّيوطي في بعض رسائله أنّ أولَ مَن أحدثَ عملَ المولدِ الملكُ المظفرُ ملكُ إربل وكان منَ الملوكِ الأمجادِ والكبراءِ الأجوادِ وكانَ له آثارٌ حسنةٌ وهو الذي عمّر الجامعَ المظفريَّ بسَفحِ قاسيون من بلاد الشام.
وقال ابنُ كثير وهو ممن يعتمده محرّمو المولد، في تاريخِه عن هذا الملك، إنه كان يعملُ المولدَ الشريفَ في ربيعٍ الأول ويحتفلُ به احتفالاً هائلاً، وكان شهمًا شجاعًا بطلاً عالمًا عادِلاً رحمه اللهُ وأكرَمَ مثواه، وإنه توفي في حصار الفرنج في مدينة عكا سنة ثلاثين وستمائة محمودَ السيرة والسريرة رحمه الله.
ولم يَعترِض على الحافظ ابن دحية في هذا الفعلِ في عصرِه ولا في ما بعدَه أحدٌ منَ العلماءِ المعتبرينَ، بل وافقُوا على ذلكَ ومدَحُوه لما فيه من البركةِ والخيراتِ. والحمد لله تعالى.