من بركات زيارة قبر خير الأنام صلى الله عليه وسلم ولو لمسافر فإن ذلك من آكد المستحبات.
قال الحافظ النووي في كتاب المجموع ما نصه لدى كلامه عن زيارة القبر الشريف لرسول الله عليه الصلاة والسلام : ثم يرجع (أي الحاجّ الذي يزور المدينة المنورة، بعد السلام على أبي بكر وعمر رضي الله عنهما) إلى موقفه الأول قبالة وجه رسول الله عليه الصلاة والسلام ويتوسل به في حق نفسه ويستشفع به إلى ربه سبحانه وتعالى، ومن أحسن ما يقول ما حكاه الماوردي والقاضي أبو الطيب وسائر أصحابنا (يعني من علماء الشافعية بل وغيرهم) عن العُتبي مستحسنين له قال: “كنت جالساً عند قبر رسول الله عليه الصلاة والسلام فجاء أعرابي فقال: السلام عليك يا رسول الله سمعت الله يقول: “ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسولُ لوجدوا الله تواباً رحيماً” (النساء، 64) وقد جئتك مستغفراً من ذنبي مستشفعاً بك إلى ربي ثم أنشأ يقول: يا خير من دُفنت بالقاع (اي التراب) أعظمُه (يعني يا رسول الله ولا يريد عظماً بلا لحم، لغة العرب واسعة).. فطاب من طيبهن القاع والأكم.. نفسي الفداء لقبر أنت ساكنه.. فيه العفاف وفيه الجود والكرم، قال العتبي: ثم انصرف فحملتني عيناي (نمت) فرأيت النبي عليه الصلاة والسلام في النوم فقال: يا عتبي الحق الأعرابي فبشره بأن الله تعالى قد غفر له.اهـ. فهذه القصة رواها البيهقي وغيره كثيرون من أهل العلم ذكروها واستحسنوها ولم ينكرها أي فقيه قبل أن يظهر ابن تيمية الذي توفي سنة 728 للهجرة فليس سلفياً، فهل كان فقهاء الأمة مشركين قبله وهو مجسّم مشبّه لله بخلقه والعياذ بالله تعالى.
قال أبو السعود في تفسيره: “وَلَو أَنَّهُم إِذ ظَّلَمُوا أَنفُسَهُم” وعرَّضوها لعذاب (زائد) على عذاب النفاقِ بترك طاعتِك والتحاكمِ إلى غيرك، “جَاءوكَ” من غير تأخيرٍ كما يُفصح عنه تقديمُ الظرفِ متوسِّلين بك (صادقين) في التنصُّل عن جناياتهم القديمةِ والحادثة (الجديدة) ولم يزدادوا جنايةً على جناية بالقصد إلى سترها بالاعتذار الباطلِ والأَيمانِ (الحلف) الفاجرة، “فَاسْتَغْفَرُواْ اللَّهَ” بالتوبة والإخلاصِ وبالغوا في التضرُّع إليك حتى انتصبتَ شفيعاً إلى الله تعالى واستغفرتَ لهم. وإنما قيل: “وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ” على طريقة الالتفات (من حيث اللغة) تفخيماً لشأن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم وتعظيماً لاستغفاره وتنبـيهاً على أن شفاعتَه في حيِّز القَبول، “لَوَجَدُواْ اللَّهَ تَوَّاباً رَّحِيماً” لعَلِموه مبالغاً في قَبول توبتهم والتفضّل عليهم بالرحمة.
وقال القرطبي في تفسره: عن علي قال: قدم علينا أعرابي بعدما دفنّا رسول الله عليه الصلاة والسلام بثلاثة أيام، فرمى بنفسه على قبر رسول الله عليه الصلاة والسلام وحثا على رأسه من ترابه؛ فقال: قلت يا رسول الله فسمعنا قولك، ووعَيت عن الله فوعَينا عنك، وكان فيما أنزل الله عليك “ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم.. الآية”، وقد ظلمت نفسي وجئتك تستغفر لي، فنودي من القبر إنه قد غفر لك. ومعنى لوجدوا الله تواباً رحيماً أي قابلاً لتوبتهم. انتهى ومن جعل التوسل خاصاً بحياة النبيّ عليه الصلاة والسلام قبل وفاته فهو محجوج بعموم اللفظ، ثم بحديث “الأنبياء أحياء في قبورهم يصلون” رواه البيهقي، ثم بأن الله تعالى لا يعجزه ذلك إكراماً لرسول الله عليه الصلاة والسلام، ثم بنقل علماء الأمة قصة العتبي بلا نكير قبل ابن تيمية الذي ليس سلفياً من حيث العقيدة ومن حيث الزمن كذلك ليس سلفياً. فدعوى من يدعي تحريم التوسل بالنبي بعد وفاته مردودة بما قدمنا وبحديث التوسل الذي رواه أحمد، وبقول الصحابي بلال بن الحارث المزني رضي الله عنه وقد أتى قبر النبيّ في زمن سيدنا عمر رضي الله عنه وقال له: يا رسول الله استسق لأمتك فإنهم قد هلكوا، قال الحافظ ابن حجر في شرح البخاري رواها الحافظ ابن أبي شيبة بإسناد صحيح. فبعد ذلك لا يلتفت إلى أتباع ابن تيمية في تحريمهم ما أحل الله وتكفيرهم المسلمين بغير وجه حق فجميعهم من أولهم إلى آخرهم لا يوجد فيهم ربع عالم او فقيه أو محدّث، نسأل الله السلامة، آمين.