فائدة نفيسة في قولِ اللهِ تبَارك وتعالى: {فَلَم تَقتُلُوهُم وَلَكِنَّ اللهَ قَتَلَهُم/ وَمَا رَمَيتَ إِذ ‏رَمَيتَ وَلَكِنَّ اللهَ رَمَى}

Arabic Text By Jan 23, 2017


فائدة نفيسة في قولِ اللهِ تبَارك وتعالى: {فَلَم تَقتُلُوهُم وَلَكِنَّ اللهَ قَتَلَهُم/ وَمَا رَمَيتَ إِذ ‏رَمَيتَ وَلَكِنَّ اللهَ رَمَى} (الأنفال، 17) هذه الآية نزلت في شأن معركة بدر وهو يومٌ ‏أعزّ الله فيه الإسلام وهو عزيز، يوم غلب المسلمون المشركين، وفيها بيان أن الله ‏تعالى هو خالق أفعال العباد الاختيارية، أي التي يعملها الانسان باختياره (وكذا ما ‏يفعله الانسان مغلوباً أو مضطراً فهو بخلق الله تعالى من باب أولى)، إذ لو كانَ ‏للإنسَانِ تَصَرُّفٌ مُطلَقٌ لم يَدعُ رسولُ اللهِ بقَولِه: “اللَّهُمَّ مُصَرِّفَ القُلوبِ صَرِّف قلُوبَنا ‏على طَاعَتِك” وذلك ليعلّم أمّـته العقيدة الصحيحة، وهذا الدعاء من نفائس الاسلام ‏ومهمات الدين، رواهُ مسلم. الأسباب مخلوقة لله تعالى، والمسبَّبات أي النتائج التي ‏تكون بعد ذلك، كذلك مخلوقة لله تعالى. الانسان له الكسب وليس له الخلق، كما أنه – ‏أي الانسان – ليست له القدرة على الخلق، فمن قال إن الإنسان له الخلق أو إن له ‏القدرة على الخلق وهو الإخراج من العدم إلى الوجود، فهو مشرك بالله تعالى.‏

فالآية فيها أَبيَنُ البَيانِ بأنّ أفعَالَ العِبادِ الاختِياريّةَ بخَلق اللهِ تعالى ليسَت بخَلقِهم لأنَّ ‏القَتلَ المذكُورَ المسنَدَ للعِباد هوَ مِن أفعالِهِم الاختياريِّة ومع ذلكَ اللهُ سبحانه قال: {فَلَم ‏تَقتُلُوهُم وَلَكِنَّ اللهَ قَتَلَهُم} أي ليسَ لكُم مِن ذلكَ القتل الذي حصل في الكفار يوم بدر إلا ‏الكَسب. وكذلكَ اللهُ تعالى نفَى الرَّميَ الذي حَصَلَ مِنَ الرّسولِ صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّم مِن ‏حيثُ الخَلقُ، نَفَى أن يكونَ الرميُ الذي فعله الرسول خَلقًا له عليه الصلاة والسلام، ‏وأَثبَت أنَّ ذلك الرمي هو خَلقٌ للهِ، أي أنَّ الرّسولَ لم يَخلُق ذلكَ الرَّميَ الذي رَماهُ إنَّما ‏الذي خَلقَه هوَ اللهُ. الله تعالى نَفى الرَّميَ عَن النبيّ مِن وَجهٍ وأَثبَتَهُ له مِن وَجه. الله ‏تعالى أَثبتَهُ لرسولِه مِن وَجهِ الكَسبِ ونَفاهُ عَنهُ مِن وَجه الخَلق، ومعنى ما في الآية: ‏وما رميتَ يا محمد خلقاً إذ رمَيتَ كسباً، معناه لك الكسب فقط يا محمد وليس لك الخلق، ‏أي ولا لغيرك من المخلوقات. وهكَذا سائرُ الأفعالِ الاختياريَّةِ هيَ تُنسَبُ إلى العبادِ ‏مِن حَيثُ الكَسب لا من حيث الخلق، فمَن قالَ خِلاف هذا فهو مُعتَزليٌّ ضالّ في هذهِ ‏المسألةِ وإن لم يكن معَهُم في سائرِ مسَائلِهم، نسأل الله الوفاة على الإيمان.