هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلىَ اللهُ عَليهِ وَسَلَم
طريقُ الحق (1)
اعلم وفقك الله أن الرسول صلى الله عليه وسلم جاءهُ رجُل فقالَ لهُ أي الأعمال أفضل فقال له الرسول (( إيمانٌ باللهِ ورسوله)) فيفهم من ذلك إنهُ لا يوجدُ عملٌ أحسن من الإيمان لأن من سلم لهُ الإيمان مهما حصلَ منهُ من الذنوب ما دام مات مسلما فإنهُ ينجو من الخلود الأبدي في جهنم
وأساسُ الإيمان معرفةُ الله وأساسُ معرفةِ الله هو تنزيهُ الله تعالى عن مشابهة الخلق بأي وجهٍ من الوجوه كما جاء في سورة الشورى (( ليس كمثله شئ وهو السميع البصير.)) أفادت هذه الآية أن الله تعالى لا يشبه شيئا من خلقه ولا يشبهه شئ فهو الموجود الذي لا يتصور في الذهن ولا يتمثل في القلب وهذا موافق للعقل السليم لأن الشرع لا يأتي إلا بما هو جائز عقلاً , والشرع هو الأصل والعقل السليم شاهدٌ لهُ , فالله تعالى قال )): ولم يكن له كفواً أحد(( معناه الله لا مثيل له ولا شبيه.
العقل السليم يقول إن خالق الشئ لا يجوز أن يكون مثله ,الله تعالى خلق كل شئ الأجرام والأجسام والأعمال فلا يجوز أن يكون الله كشئ من ذلك كذلك جاء في القرءان : ((فلا تضربوا لله الأمثال.)) معناه : لا تشبهوا الله بخلقه ومن شبه الله بخلقه كفر لأنه كذب القرءان وكما أن الله تعالى لا يشبه شيئا من خلقه كالإنسان والملائكة والجن والنبات كذلك لا يجوز أن يتصف بصفة من صفات خلقه.
الله تعالى خلق هذا العالم وفيه أجسامٌ كثيفة تضبط باليدِ كالإنسان والنبات والحِجارة وخلق الأجسام اللطيفه كالظلام والنور والريح والجن والملائكة وجعل لهذه الأجسام صفات كالحرارة والبرودة واليبوسة والحركة والسكون وغيرِ ذلك فلا يجوز أن يوصف الله بشئ من هذه الصفات هذا ما يفيده القرءان والحديث والعقل والإجماع .
ومعلوم عند كل ذي عقل سليم أن الله الذي خلق كل شئ كان موجودا في الأزل وحده ولم يكن شئٌ من العالم لا الأرضون ولا العرش ولا الفراغ ولا الظلام ولا النور , ثم الله تعالى هو خلق كل شئ ولم يزل سبحانه موجودا أزليا أبديا لا يشبه الخلق بوجه من الوجوه فلا يوصف بأنه حجم كبير ولا بأنه حجم صغير ولا يوصف بصفات الأحجام كا الحركة والسكون والجلوس والاستقرار والجهة والمكان . روى البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ((كان الله ولم يكن شئ غيره)) معناه كان الله وحده في الأزل. كان موجودا بلا مكان ولا جهة وبعد أن خلق كل شئ لم يتغير مازال موجودا بلا مكان ولا جهة لأن التغير هو أقوى علامات الحدوث .
فوائد منثورة
الحديث: روى البخاري في صحيحه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة”، وأنه في وصيته صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل وقد أرسله إلى اليمن قال له: “اتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب”، وفي حديث آخر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن التحـريش بين البهائم فكيف بمن يحرش بين الناس ينقل إلى هذا قول ذاك وإلى ذاك قول هذا، وهذا من المحرّمات وإن كان صحيحاً لا كذب فيه، فكيف إن كان كذباً والعياذ بالله تعالى، فلا يجوز للإنسان ولا سيما من كانت تهمّه آخرته أن يتهاون في مثل هذه الأمور، وفي الحديث الذي رواه مسلم عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ « أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ »، قَالُوا الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لاَ دِرْهَمَ لَهُ وَلاَ مَتَاعَ، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم « إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلاَةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا وَقَذَفَ هَذَا وَأَكَلَ مَالَ هَذَا وَسَفَكَ دَمَ هَذَا وَضَرَبَ هَذَا فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ فَإِنْ فنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ فِى النَّار ِ»، وفي الحديث الذي رواه البخاري “المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده“، فلينظر أحدنا ما ينطق به لسانه وإلا فإن الإنسان محاسب، ومن الجهل ما يفعله الناس في أول نيسان/أبريل من الكذب، ومن الجهل كذلك ما يقوله بعض الفاسدين من أن “الكلام ليس عليه جمرك” وهذا غاية في الجهالة، وأما من فهم منه أن للإنسان أن يقول ما يشاء من غير حساب فهذا ضلال مبين والعياذ بالله تعالى.
الحديث
روى الحافظ المتقن شرف الدين الدمياطي (705 هـ.) وكان له ألف ومائتان وخمسون شيخاً، وهو أحد كبار مشايخ الحافظ الاصولي المتفنن المجتهد إمام الأعصار والأمصار تقيّ الدين عليّ بن عبدالكافي السبكي الأنصاري (756 هـ.) رحمهما الله، في كتابه “المتجر الرابح في ثواب العمل الصالح” عن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ رضا الله في رضا الوالد وسخط الله في سخط الوالد” رواه الترمذي وابن حبان والحاكم وقال صحيح على شرط مسلم، والحديث لا يحتاج إلى شـرح يطول.
وفي حديث آخر في السنن الكبرى للإمام البيهقي (458 هـ.) رحمه الله عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رجلاً من الأعراب لقيه بطريق مكة فسلم عليه عبد الله بن عمر وحمله على حمار كان يـركبه وأعطاه عمامة كانت على رأسه، قال ابن دينار فقلنا له أصلحك الله، إنهم الأعراب وهم يرضون باليسير، فقال عبد الله بن عمر إن أبا هذا كان وداً لعمر بن الخطاب رضي الله عنه وإني سمعت رسول الله صلى الله علَيه وسلم يقول: “إن أبـرّ البـرّ صـلـة الـرجـل أهـل ودّ أبيه“، قال البيهقي: رواه مسلم في الصحيح.
الحديث
روى مسلم وأبو داود عن جبير بن مطعم رضي الله عنه: “لا يدخل الجنة قاطع رحم“، يعني صلى الله عليه وسلم أن قطع الرحم أي عدم القيام بما أوجب الله من صلة الأقارب بالبرّ والزيارة وما أشبه ذلك يعدّ ذنباً يستحق صاحبه العقوبة، حتى وإن قطعه أقاربه لم يكن له أن يقطعهم، ولا سيما من هم من القرابة القريبة، وفي الحديث الشريف الذي رواه البخاري عن عبدالله بن عمرو بن العاص أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: “ليس الواصل بالمكافئ ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها“
هَدْيُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم