هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلىَ اللهُ عَليهِ وَسَلَم
من هم السلف الصالح
السلف الصالحُ هُم عُلماءُ الإسلامِ الذين كانوا في القرون الثلاثة الأولى الذين قصدهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله :[ خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم وكذلك يفهم مدح هؤلاء العلماء الذين كانوا في القرون الأولى الفاضلة من قوله تعالى:{ والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه}.سورة التوبة
والفرقة الناجية هم الذين يتبعون ما كان عليه الرسول و الصحابة والتابعون وهؤلاء الذين قصدهم الرسول في حديثه الذي رواه عنه أبو داود وغيره :[ افترقت اليهود على احدى وسبعين فرقة وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة وستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة كلهم في النار إلا واحده وهي التي ما أنا عليه وأصحابي] وفي روايةٍ وهي الجماعة وفي رواية ابن حبان :[ وهي السواد الأعظم]. السواد الأعظم هم الجمهور الغالب وهم أهل السنة والجماعة ومعنى أهل السنة الذين هم يتبعون شريعة الرسول أي ما جاء به من العقيدة والأحكام ومعنى الجماعة الجمهور الغالب فخرج بذلك الشذاذ كالوهابية المشبهة المجسمة الذين يكفرون المسلمين بلا حق يكفرون المسلم إذا زار قبر نبي أو وليّ متبركا ودعا الله عنده مع اعتقاده أن النافع والضار على الحقيقة هو الله وهؤلاء الوهابية المجسمة المشبهة الشاذون بالنسبة لجماعة المسلمين كلا شئ فإن أهل السنة والجماعة اليوم تجاوز تعدادهم المليار وقد ورد عنه صلى الله عليه وسلم :[ عليكم بالسواد الأعظم من شذ شذ إلى النار].
وقد ذكر الإمام السلفي أحمد بن سلامة أبو جعفر الطحاوي المتوفى سنة ثلاثمائة وتسع وعشرين في عقيدته التي قال في مطلعها :[هذا ذكر بيان عقيدة أهل السنة والجماعة قال في هذه العقيدة التي اشتهرت بين المسلمين عن الله : تعالى عن الحدود والغايات والأركان والأعضاء و الأدوات لا تحويه الجهات الست كسائر المبتدعات]ا هـ . معناه أن الله منزه عن الحد والمحدود عند العلماء ما له حجم كبيرا كان أوصغيرا فالذرة محدودة والعرش محدود وكل ما كان في جهة أو مكان فهو محدود والمحدود مخلوق فالله ليس محدودا لأنه خالقٌ وليس بمخلوق فهو موجود بلا مكان ولا جهة لأنه ليس حجما بالمرة والدليل على أن هذا العالم الأجرام التي فيه لها مقدار من الحجم قول الله تعالى في سورة الرعد : ( وكل شئ عنده بمقدار.) وقول الطحاوي عن الله :[ تعالى عن الحدود والغايات ] معناه أن الله ليس له نهاية فإن الغايات معناها النهايات وكل شئ له نهاية يكون محدودا له مقدار من الحجم مخصوص ويأخذ حيزا من الفراغ . وأما الأركان فمعناها الجوانب وهذا أيضا من صفات الأحجام والله منزه عن ذلك وأما الأعضاء فمعناها الأجزاء الكبيرة كالرأس واليد الجارحة والرجل الجارحة .وأما الأدوات فمعناها الأجزاء الصغيرة كاللسان والأضراس واللهاة . أما قوله :[ لا تحويه الجهات الست كسائر المبتدعات] فمعناه أن الله موجود بلا جهة ولا مكان هذه عقيدة أهل السنة والجماعة المأخوذة من القرءان والحديث والإجماع .أما المشبهة الوهابية المجسمة فإنهم لا يرضون بهذا وقد ذكر القرطبي في تفسيره أن معنى تربو في كف الرحمن عبارة عن كفة الميزان التي توزن فيها الأعمال فيكون من باب حذف المضاف كأنه قال : (فتربو كفة ميزان الرحمن ) وروي عن مالك والثوري و ابن المبارك أنهم قالوا في تأويل هذه الأحاديث وما شابهها أمروها بلا كيف قاله الترمذي وغيره وهكذا قول أهل العلم من أهل السنة والجماعة ا هـ .
ومعنى بلا كيف نفي كل ما كان من صفات الخلق كالجلوس والاستقرار والجارحة والعضو والحركة والسكون والنزول الحقيقي والصعود الحقيقي لأن هذا من صفات الخلق والخالق منزه عن صفات الخلق قال الإمام أبو جعفر الطحاوي في عقيدته :[ومن وصف الله بمعنى من معاني البشر فقد كفر ] ومعاني البشر صفاتهم وهي كثيرة منها الجلوس والاستقرار .
وماجاء عن الأوزاعي وسفيان والثوري في الأحاديث التي هي من المتشابه من قولهم أمروها كما جاءت بلا كيف معناه نفي لكل ما كان من صفات الخلق .
ولا اعتبار لما يقوله الشاذ أحمد بن تيمية الحراني وتلميذه ابن القيم فيما خالفوا فيه عقيدة المسلمين فإن ابن تيمية مشبه مجسم وقد قال في قول الله تعالى : { ليس كمثله شئ } نزه ثم قال وهو السميع البصير فشبه ا هـ. وهذا من أشنع الضلال
أما الأشاعرة والماتريدية الذين هم أهل السنة والجماعة فليسوا معطلة كما تزعم الوهابية المجسمة المشبهة .
وأبو الحسن الأشعري هو الإمام علي بن اسماعيل بن أبي بشر و اسمه اسحاق بن سالم بن إسماعيل بن عبد الله بن موسى بن بلال بن أبي بردة ابن صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم أبي موسى عبد الله بن قيس قال الإمام الحافظ السبكي في طبقات الشافعية الكبرى عن أبي الحسن الأشعري ما نصه : شيخنا وقدوتنا إلى الله تعالى الشيخ أبو الحسن الأشعري البصري شيخ طريقة أهل السنة والجماعة وإمام المتكلمين وناصر سنة إمام المرسلين والذاب عن الدين والساعي في حفظ عقائد المسملين سعيا يبقى أثره إلى يوم يقوم الناس لرب العالمين إمام جبر ونَقيّ برّ حمى جناب الشرع من الحديث المفترى وقام في نصرة ملة الإسلام فنصرها نصرا مؤزّرا .
ثم قال وقال الأستاذ أبو سهل الصعلوكي : حضرنا مع الشيخ أبي الحسن مجلس علوي في البصرة وناظر المعتزلة خذلهم الله وكانوا يعني كثيرا فأتى على الكل وهزمهم كلما انقطع واحد تناول الآخر حتى انقطعوا عن ءاخرهم فعدنا في المجلس الثاني فما عاد منهم أحد وقال الإمام أبو بكر الصيرفي كانت المعتزلة قد رفعوا رؤوسهم حتى أظهر الله الأشعري فحجزهم في أقماع السماسم وقال الأستاذ أبوعبد الله بن خفيف دخلت البصرة أيام شبابي لأرى أبا الحسن الأشعري لما بلغني خبره فرأيت شيخا بهي المنظر فقلت:أين منزل أبي الحسن الأشعري فقال : وما الذي تريد منه ؟ فقلت : أحب أن ألقاه فقال : أبتكر غدا إلى هذا الموضع فقال : فابتكرت فلما رأيته تبعته فدخل دار بعض وجوه البلد فلما أبصروه أكرموا محله وكان هناك جمع من العلماء ومجلس نظر فأقعدوه في الصدر ثم سأل بعضهم عن مسئلة فلما شرع في الجواب دخل هذا الشيخ فأخذ يرد عليهم ويناظره حتى أفحمه فرأيت العجب من علمه وفصاحته فقلت لبعض من كان عندي من هذا الشيخ فقال أبو الحسن الأشعري فلما قاموا تبعته فقال لي يا فتى كيف رأيت الأشعري فخدمته وقلت يا سيدي كما هو في محله ولكن لم لا تسأل أنت ابتداء فقال : أنا لا أكلم هؤلاء ابتداء لكن إذا خاضوا في ذكر ما لا يجوز في دين الله رددنا عليهم بحكم ما فرض الله سبحانه وتعالى علينا من الرد على مخالفي الحق ورويت هذه الحكايه عن ابن خفيف على وجه ءاخر يشترك معها بعد الدلالة على عظمة الشيخ ومحله من العلم لأنه كان لا يتكلم في علم الكلام إلا حيث يجب عليه نصرا للدين ودفعا للمبطلين .
قال علماؤنا : كان الشيخ صاحب فراسة ونظر بنور الله . ثم قالوا وكان الشيخ سيدا في التصوف واعتبار القلوب كما هو سيد في علم الكلام وأصناف العلوم , وقال الأستاذ أبو اسحق الأسفرايني كنت في جنب الشيخ أبي الحسن الباهلي كقطرة في جنب البحر وسمعت الباهلي يقول كنت في جنب الأشعري كقطرة في جنب البحر .اهـ . فإن الأشاعرة والماتريدية هم أهل السنة والجماعة الفرقة الناجية المحمدية وهم مع الصحابة ومن تبعهم في أصول الاعتقاد، وإنما سموا بالأشاعرة نسبة للإمام الجليل أبي الحسن الأشعري، وسموا بالماتريدية نسبة للإمام أبي منصور الماتريدي رضي الله عنهما . كما سمي أتباع الشافعي بالشافعية، وأتباع أبي حنيفة بالحنفية ، وأتباع مالك بالمالكية وأتباع أحمد بالحنابلة، وكلٌّ أهل السنة والجماعة وفي أصول العقائد متحدون
قال الله تعالى : [ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءاَمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى المُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ] {المائدة:54} . ويكفي أبا الحسن الأشعري شرفا ما أخرجه الحافظ ابن عساكر فى تبيين كذب المفترى والحاكم فى المستدرك ” لما نزلت: {فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه} قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (هم قومك يا أبا موسى) وأومأ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده إلى أبي موسى الأشعري” اهـ. وقال الحاكم : هذا حديث صحيح على شرط مسلم، ورواه الإمام الطبري في تفسيره وابن أبي حاتم كذلك، وابن سعد في طبقاته والطبراني في معجمه الكبير وقال الهيثمي في مجمع الزوائد: ورجالُه رجالُ الصحيح.
وقال البيهقى: وذلك لما وجد فيه من الفضيلة الجليلة والمرتبة الشريفة للإمام أبى الحسن الأشعرى رضى الله عنه فهو من قوم أبى موسى وأولاده الذين أوتوا العلم ورزقوا الفهم مخصوصاً من بينهم بتقوية السنة وقمع البدعة بإظهار الحجة ورد الشبهة “.ذكره ابن عساكر في تبيين كذب المفتري.
وذكر الإمام البخاري في صحيحه باب ” قدوم الأشعريّين وأهل اليمن وقال أبو موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم هم منّي وأنا منهم” اهـ.
وأخرج البخاري في صحيحه عن عمران بن الحصين أن النبي أتاه أناس من بني تميم فقال عليه الصلاة والسلام: “اقبلوا البشرى يا بني تميم” قالوا بشرتنا فأعطنا مرتين فتغير وجهه – أي للأسف عليهم كيف ءاثروا الدنيا-، فجاءه أناس من أهل اليمن فقال:” يا أهل اليمن اقبلوا البشرى إذ لم يقبلها بنو تميم ” قالوا: قد قبلنا يا رسول الله جئناك لنتفقه في الدين ولنسألك عن أول هذا الأمر ما كان، قال: “كان الله ولم يكن شىء غيره”. أي كان الله في الأزل ولم يكن مكان ولا زمان ولا جهة ولا عرش ولا سماء ولا جسم ولا حركة ولا سكون ولا مخلوق ثم خلق الله الخلق ، وبعد خلقه الخلق لا زال كما كان ، فهو سبحانه موجود بلا كيف ولا مكان ولا جهة.
والسلطان محمد الفاتح والجيش الذي كان معه كانوا ماتريدية أشعرية وقد شهد لهم الرسول بأنهم على حال حسن . وكذا سائر السلاطين العثمانيين الذين ذبّوا عن بيضة المسلمين وحموا حمى الملّة قرونًا متتالية.
وعلى هذا الاعتقاد مئات الملايين من المسلمين سلفًا وخلفًا في الشرق والغرب تدريسًا وتعليمًا ويشهد بذلك الواقع المُشاهَد، ويكفي لبيان حقّية هذا كون الصحابة والتابعين وأتباع التابعين (وهم السلف الصالح) ومن تبعهم بإحسان على هذه العقيدة، فممن تبعهم بإحسان : هؤلاء الحفّاظ الذين هم رءوس أهل الحديث الحافظ أبو بكر الإسماعيلي صاحب المستخرج على البخاري، ثمّ الحافظ العَلَمُ المشهور أبو بكر البيهقى ثمّ الحافظ الذي وُصف بأنّه أفضل المحدّثين بالشام في زمانه ابن عساكر ، كان كل واحد من هؤلاء علَماً في الحديث في زمانه، ثمّ جاء من هو على هذا المنوال الحافظ الموصوف بأنّه أمير المؤمنين في الحديث أحمد بن حجر العسقلاني، فمن حقّق عرف أن الأشاعرة فرسان ميادين العلم والحديث، ومنهم مجدّدُ القرن الرابع الهجري الإمام أبو الطيب سهلُ بن محمّد و أبو الحسن الباهلي وأبو بكر بن فورك وأبو بكر الباقلاّني وأبو إسحق الأسفراييني والحافظ أبو نعيم الأصبهاني والقاضي عبد الوهّاب المالكي والشيخُ أبو محمّد الجويني وابنه أبو المعالي إمام الحرمين وأبو منصور البغدادي والحافظ الدّارقطني والحافظ الخطيب البغدادي والأستاذ أبو القاسم القشيري وابنه أبو نصر والشيخ أبو إسحق الشيرازي ونصر المقدسي والغزالي والفراوي وأبو الوفاء ابن عقيل الحنبلي وقاضي القضاة الدامغاني الحنفي وأبو الوليد الباجي المالكي والإمام السيّد أحمد الرفاعي وابن السمعاني والقاضي عياض والحافظ السّـِلَفي والنووي وفخر الدين الرازي والعزّ بن عبد السلام وأبو عمرو ابن الحاجب المالكي وابن دقيق العيد وعلاء الدين الباجي وقاضي القضاة تقيّ الدين السبكي والحافظ العلائي والحافظ زين الدين العراقي وابنه الحافظ ولىّ الدين والحافظ مُرتضى الزبيدي الحنفي والشيخ زكريّا الأنصاري والشيخ بهاء الدين الروّاس الصوفي ومفتي مكّة أحمد زيني دحلان ومُسنِد الهند وليّ الله الدهلوي ومفتي مصر الشيخ محمّد عليش المالكي المشهور وشيخ الجامع الأزهر عبدالله الشرقاوي والشيخ المشهور أبو الحسن القاوُقجي نُقطة البيكار في أسانيد المتأخّرين والشيخ حسين الجسر الطرابلسي والشيخ عبد الباسط الفاخوري مفتي بيروت والعلامة علوي بن طاهر الحضرمي الحداد وغيرهم من أئمة الدين كثير لا يُحصيهم إلا الله.
ومنهم الوزير المشهور نظام الملك والسلطان العادل العالم المجاهد صلاحُ الدين الأيوبي رحمه الله
وليس مُرادنا بما ذكرنا إحصاء الأشاعرة والماتريدية فمن يُحصي نجوم السماء أو يحيط علمًا بعدد رمال الصحراء ؟
فالأشعرية والماتريدية هم أهل السنة والجماعة الفرقة الناجية.