درس نفيس في معجزة الاسراء والمعراج.

Arabic Text By Jun 24, 2016


درس نفيس في معجزة الاسراء والمعراج.

قالَ اللهُ تباركَ وتعالى:﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَا الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ﴾ (سورة الإسراء، 1).

فالسَّبْحُ في اللغة معناه التباعد، ومعنى سبحان الله تنزّه الله عن مشابهة الخلق بأيّ وجه من الوجوه، سبحانه وتعالى موجود بلا كيف ولا مكان.

والإسراء هو السير بالليل، فالإسراء والمعراج حصلا بالجسد والروح في جزء من ليلة واحدة باليقظة لا في المنام.

والمسجد الحرام سمّي بذلك لحرمتهِ وللأحكام الخاصة به ومنها: مضاعفة أجر الصلاة فيه أضعافًا كثيرة، ووجوده في مكة أفضل بقاع الأرض عند الجمهور، وقال الإمام مالك إن المدينة المنورة أفضل، أما القبر الشريف حيث دفن النبيّ وهو صلى الله عليه وسلم فيه قائم يصلي، فهو أفضل موضع بالإجماع.

والمسجد الأقصى سمّي بذلك لبُعده عن المسجد الحرام. والمسجدان بناهما نبي الله آدم عليه السلام، بنى الكعبة ثم بعد أربعين سنة بنى المسجد الأقصى. وسمى الله المسجد الأقصى مسجدًا مما يدل على أنه كسائر أماكن عبادة المسلمين أتباع كل الأنبياء لعبادة الله الواحد بالصلاة التي يسجد فيها المسلم لله. وكلّ الأنبياء دعَوا الى الاسلام والتوحيد، ولا خلاف بينهم الا في بعض فروع الشريعة. لا خلاف بينهم في التوحيد والعقيدة.

وقوله تعالى: {بَارَكْنَا حَوْلَهُ} معناه أنّ أرض الشام أرض مباركة، فقد ثبت في صحيح البخاري أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: “اللهم بارك لنا في شامنا ويمننا” كرّرها، قالوا: وفي نجدنا يا رسول الله؟ قال: “هناك الزلازل والفتن، هناك يطلع قرن الشيطان”.

فأرض الشام مباركة وفلسطين التي فيها المسجد الأقصى من بلاد الشام.

والله تباركَ وتعالى بعث الأنبياءَ رحمةً للعبادِ، إذ ليسَ في العَقلِ ما يُسْتَغْنى به عنهم، لأنّ العَقلَ لا يستِقلُّ بمعرفةِ الأشياءِ المُنجيةِ في الآخرةِ، فالله تعالى مُتَفَضّلٌ ببعثة الأنبياء على عبادِه،ِ ولا يجب على الله تعالى ذلك ولا غيره.

وقد أيّدَ الله تباركَ وتعالى الأنبياءَ بمعجزاتٍ دليلاً على صدقهم. والمعجزةُ أمرٌ خارقٌ للعادةِ يَظْهَرُ على يدِ مُدَّعِي النبوةِ، موافقٌ للدعوى سالمٌ من المعارضةِ بالمثلِ.

وكان صلى الله عليه وسلم أعظمَ الأنبياءِ معجزاتٍ، فقد نَقَلَ ابنُ أبي حاتمٍ في كتابِ مناقبِ الإمام الشافعيّ: “ما أعطى اللهُ نبياً ما أعطى محمدًا، فقيل: أعطى عيسى إحياءَ الموتى، قال الشافعي: أُعْطِيَ محمدٌ حنينَ الجذْعِ حتى سُمِعَ صوتُه فهذا أكبرُ مِنْ ذلكَ”.

وقد رَأَى سَيِّدُنَا مُحَمَّدٌ فِي لَيْلَةِ المِعْرَاجِ أَرْبَعَةَ أَنْهَارٍ تَخْرُجُ مِن أَصْلِ سِدْرَةِ المُنْتَهَى، نَهَرٌ مِن حَلِيبٍ وَنَهَرٌ مِن مَاءٍ لا يَتَعَفَّنُ مِن طُوْلِ المُكْثِ وَنَهَرٌ مِن خَمْرٍ لَذَّة لِلشَّارِبِينَ لا تُسْكِر،ُ لَيْسَ كَخَمْرِ الدُّنْيَا، وَنَهَرٌ مِن عَسَلٍ مُصَفًّى لا تُخْرِجُهُ النَّحْلُ، يَخْلُقُهُ اللهُ تعالى لَيْسَ كَعَسَلِ الدُّنْيَا. وَدَخَلَ الرَّسُولُ الجَنَّةَ، فَقَالَ لَهُ جِبْرِيلُ: “سَلْ رَبَّكَ أَنْ يُرِيَكَ الحُوْرَ العِيْنَ”، فَسَأَلَ رَبَّهُ فَقَالَ لَهُ جِبْرِيلُ: “هَؤُلاءِ النِّسْوَةُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِنَّ”، فَسَلَّمَ رَسُولُ اللهِ عَلَيْهِنَّ فَقُلْنَ: نَحْنُ خَيراتٌ حِسَانٌ، أَزْوَاجُ قَوْمٍ كِرَامٍ.

وَرَأَى الرَّسُولُ فِي الجَنَّةِ نَهَرًا يُقَالُ لَهُ الكَوْثَرُ، هذَا النَّهَر خَاصٌّ بِرَسُولِ اللهِ، ضَرَبَ يَدَهُ فِيْهِ فَوَجَدَ طِيْنَهُ الذِي فِيهِ مِسْكًا وَوَجَدَ حَوْلَهُ قِبابًا مِن لُؤْلُؤٍ، وَرَأَى أَيْضًا تِلْكَ اللَّيْلَةَ أُمَّتَهُ الذِينَ رَآهُم فِي الأَرْضِ مِمَّنْ كَانُوا فِي ذَلِكَ الوَقْتِ وَمَن سَيَأْتِي مِن أُمَّتِهِ، اللهُ أَبْرَزَ لَهُ مِثَالَ كُلِّ شَخْصٍ مِن أُمَّتِهِ حتَّى الذِينَ لَم يُخْلَقُوا فِي ذَلِكَ الوَقْتِ.

وَمِمَّا أَكْرَمَهُ اللهُ بِهِ تِلْكَ اللَّيْلَةَ أَنْ رَأَى ثَلاثَةً مِنَ الأَنْبِيَاءِ قَبْلَ وُصُولِهِ إِلَى بَيْتِ المَقْدِسِ: إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى، ثُمَّ بَعْدَ أَنْ وَصَلَ إِلَى بَيْتِ المَقْدِسِ صَلَّى فِيهِ إِمَامًا بالأَنْبِيَاءِ. جَمِيعُ الأنبياء بَعَثَهُم اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَي أَخْرَجَهُم مِن قُبُورِهِم، وَهُم أَحْيَاء يُصَلُّون فِي قُبُورِهِم، بَعَثَهُم تَشْرِيفًا لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بَعَثَهُم إِلَى بَيْتِ المَقْدِسِ فَقَدَّمَهُ جِبْرِيلُ لِيُصَلِّيَ بِهِم إِمَامًا فَصَلَّى بِهِم ثُمَّ الْتَقَى بِثَمَانِيَةٍ مِنْهُم فِي السَّمَاءِ، فَرَأَى عِيْسَى وَيَحْيَى وآدَمَ وَيُوسُفَ وإِدْرِيسَ وهَارُونَ وَمُوسَى وَإِبْرَاهِيمَ. رَأَى فِي السَّمَاءِ الأُوْلَى آدَمَ أَبَا البَشَر،ِ وَرَأَى فِي السَّمَاءِ الثَّانِيَةِ يَحْيَى وَعِيسَى، ابْنَيْ خَالَةٍ، وَرَأَى يُوْسُفَ فِي السَّمَاءِ الثَّالِثَة،ِ وَرَأَى إِدْرِيسَ فِي الرَّابِعَة،ِ وَرَأَى هَارُونَ فِي الخَامِسَةِ، وَرَأَى مُوسَى فِي السَّادِسَةِ، وَرَأَى إِبْراهِيمَ فِي السَّابِعَةِ وَقَد أَسْنَدَ ظَهْرَهُ إِلَى البَيْتِ المَعْمُورِ الذِي هُوَ بَيْتٌ مُقَدَّسٌ لأَهْلِ السَّمَاء الملائكة يَدْخُلُهُ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ ثُمَّ لا يَعُودُونَ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ. ثُمَّ كُلٌّ مِن هؤُلاء الأنبياءِ الثَّمَانِيَةِ الذِينَ اسْتَقْبَلُوهُ فِي هذهِ السَّمَوَاتِ سَلَّمَ عَلَى كُلٍّ مِنْهُم رَسُولُ اللهِ فَرَدَّ كُلٌّ مِنْهُم عَلَيْه السَّلامَ وَرَحَّبَ كُلٌّ مِنْهُم بِهِ، يَقُولون لَهُ: مَرْحَبًا بالنَّبِيِّ الصَّالِحِ إلا آدَمَ فَقَالَ لَهُ: مَرْحَبًا بالابنِ الصَّالِحِ، كَذَلِكَ إِبْرَاهِيمُ لأَنَّهُ أَبُوهُ.

سَيِّدُنَا مُحَمَّدٌ مِن ذُرِّيَةِ إِبْرَاهِيمَ، مِن ذُرِّيَةِ إِسْمَاعِيل،َ فَرَحَّبَ بِهِ إِبْرَاهِيمُ وَقَالَ: مَرْحَبًا بالابْنِ الصَّالِحِ.

وقَد جمعَ الله عزَّ وجلَّ لسيدنا محمدٍ صلى الله عليه وسلم جميعَ الأنبياءِ صلواتُ الله وسلامُهُ عليهم في بيتِ المقدسِ مِن آدمَ فمنْ بعدَهُ فصلَّى بهم النبيّ إمامًا.

وهذا دليل على أن الأنبياء لهم تصرّف بإذن الله بعد موتهم وينفعون من شاء الله له أن ينتفع منهم، فهم ليسوا كالناس العاديين لأنهم خير المخلوقات ولهم كرامة عند ربهم، وروى البزار والبيهقي وغيرهما أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: “الأنبياء أحياءٌ في قبورهم يُصلّون”.

وقالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في حديث الإسراءِ والمعراجِ: “ثُمَّ دخلتُ بيتَ المقدسِ فجُمِعَ لِيَ الأنبياءُ عليهمُ السلامُ فَقَدَّمَنِي جبريلُ حتى أمَمْتُهُمْ ثم صُعِدَ بيَ إلى السماءِ” رواه النسائي.

والمقصودُ من المعراجِ تشريفُ الرسولِ بإطلاعِهِ على عجائِبِ العالمِ العلويّ، وتعظيمُ مَكانتِهِ. قال تعالى: “لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى” {سورة النجم، 18}.

ويجدر بنا أن نذكّر بأنّ الله تعالى هو خالق السموات السبع وخالق الأماكن كلّها وأنّ الله كان موجوداً قبل خلق الأماكن كلّها. فلا يجوز أن يُعتقد أنّ الله تعالى موجود في مكان واحد أو في كل الأمكنة، أو أنه موجود في السماء بذاته أو متمكّن أو جالس على العرش، أو حالّ في الفضاء فوق العرش في مكان عدمي كما تقول المجسمة الضالة، أو أنه قريب منا أو بعيد بالمسافة. ومن نسب المكان أو الجهة أو الجسم أو القعود أو الكيفية لله فلا يكون مسلماً، ويكون الدخول في الاسلام بالنطق بالشهادتين: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنّ محمّداً رسول الله، مع اعتقاد الصواب وهو أنّ الله موجود بلا مكان ولا يشبه شيئاً من مخلوقاته في أي وجه من الوجوه، سبحانه ليس كمثله شىء. وفّق الله كاتبها وناشرها ورزقنا رؤية النبيّ صلى الله عليه وسلم وختم