قال الشيخ رحمه الله: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “خَيرُكُم خَيرُكُم للنِّساءِ” رَوَاهُ الحَاكِمُ. مَعْنَاهُ الَّذِي يُحْسِنُ مُعَامَلةَ النِّسَاءِ أَيْ أَزْوَاجِهِ هُوَ أَفْضَلُ، أَفْضَلُ المُسْلِمينَ هُوَ الَّذِي يُحْسِنُ مُعَامَلةَ أَزْوَاجِهِ، يُعَامِلُهَا بِالتَّوَاضُعِ وَالعَطْفِ وَالرَّحْمَةِ وَبَشَاشَةِ الوَجْهِ وَالإِحْسَانِ وَالعَفْوِ إِذَا هِيَ أَسَاءَتْ، مَنْ كَانَ هَكَذَا هُوَ أَفضَلُ الرِّجَالِ لِأَنَّ الَّذِي يَكُوْنُ مَعَ امْرَأَتِهِ هَكَذَا يَكُونُ مَعَ الغَيْرِ هَكَذَا، يَكُوْنُ حَسَنَ الخُلُقِ. صَاحِبُ حُسْنِ الخُلُقِ دَرَجَتُهُ كَدَرَجَةِ الإِنْسَانِ الَّذِي يَصُوْمُ صِيَامًا مُتَتَابِعًا وَيَقُومُ اللَّيْلَ. الَّذِي يَتَواضَعُ وَيُسَامِحُ النَّاسَ الَّذِيْنَ أَسَاءُوا إِلَيْهِ وَهُوَ لَا يُؤْذِي غَيْرَهُ وَيَصْبِرُ عَلَى أَذَى غَيْرِه وَيُحْسِنُ إِلَى النَّاسِ هَذا يُسَاوِي الرَّجُلَ الَّذِي يُصَلِّي نِصْفَ اللّيلِ مَثَلًا وَيَصُوْمُ كثِيْرًا، سِتَّةَ أَشْهُرٍ أَوْ ثَمَانِيَةَ أَشْهُرٍ فَوْقَ الفَرْضِ، هَذَا بِحُسْنِ خُلُقِهِ دَرَجَتُهُ عِنْدَ اللهِ مِثلُ ذَاكَ.
التَّوَاضُعُ لِلْأَزْوَاجِ مَطْلُوْبٌ وَالعَطْفُ عَلَيْهِنَّ. الرَّسُوْلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنْ حُسْنِ خُلُقِهِ لَمَّا يَكُونُ يَبِيْتُ فِي بَيْتِ إِحْدَاهُنَّ لِأَجْلِ الدَّوْرِ، لِأَجْلِ القَسْمِ، صَبَاحًا يَدُورُ عَلَى كُلٍّ، يَقِفُ عَلَى بَابِ هَذِه يَقُوْلُ: السَّلَامُ عَلَيْكُم أَهْلَ البَيْتِ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ، وَعَلَى بَابِ هَذِهِ وَعَلَى بَابِ هَذِهِ، حَتَّى يَعُمَّهُنَّ كُلَّهُنَّ مِنْ شِدَّةِ تَوَاضُعِهِ، هُوَ بنَفْسِه يَقِفُ عَلَى بَابِ هَذِهِ يُسَلِّمُ عَلَيْهَا وَعَلَى بَابِ تِلْكَ حَتَّى يَعُمَّ الجَمِيْعَ، لَا يَنْتَظِرُ حَتَّى يَأْتِيْنَ هُنَّ فَيُسَلِّمْنَ عَلَيْهِ، هَذَا حُسْنُ مُعَامَلَةِ النِّسَاءِ، أَمَّا أَكْثَرُ الأَزْوَاجِ يَتَرفَّعُونَ عَلَى زَوْجَاتِهِم، هَذَا خِلَافُ الشَّرْعِ، اللهُ لَا يُحِبُّهُ.
قال الشيخ رحمه الله: الرَّسُوْلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ: “خَيْرُكُم خَيْرُكُم لِأَهْلِهِ، وَأَنَا خَيْرُكُم لِأَهْلِي”، مَعْنَاهُ أَنَا أَشَدُّ النَّاسِ إِحْسَانًا لِلْأَزْوَاجِ. مَن يُرِيْدُ أَنْ يَقْتَدِيَ بِالرَّسُوْلِ يُعَامِلُ زَوْجَتَهُ بِالإِحْسَانِ لَيْسَ بِالتَّجَبُّرِ وَالتَّكَبُرِ. الرَّسُوْلُ كَانَ يَخْدِمُ كَمَا يَخْدِمُ النَّاسُ، يَعْمَلُ فِي خِدْمَةِ البَيْتِ، كَانَ يَحْلِبُ الشَّاةَ وَيَرْقَعُ دَلْوَهُ إِنِ انْكَسَرَ الدَّلْوُ، وَيَخْصِفُ نَعْلَهُ إِذَا صَارَ فِيْهَا خَلَلٌ هُوَ بِيَدِهِ يُصْلِحُهُ، مَا (كَانَ) يُعَامِلُ النّاسَ مُعَامَلَةَ المُلُوْكِ لِلرَّعِيَّةِ، الَّذِي وَرَدَ فِي الحَدِيْثِ قَالَتْ عَائِشَةُ لَمَّا سُئِلَتْ مَاذَا يَفْعَلُ رَسُوْلُ اللهِ فِي البَيْتِ؟ قَالَتْ: مَا يَعْمَلُ الرَّجُلُ فِي بَيْتِهِ، مَعْنَاهُ كَانَ يَخْدِمُ فِي البَيْتِ.
قال الشيخ رحمه الله: الطَّرِيْقَةُ الرِّفَاعِيَّةُ مِنْ شَأْنِهَا التَّوَاضُعُ التَامُّ لِيَقْبَلَ النَّصِيْحَةَ مِنْ غَيْرِهِ وَمِنْ أَيٍّ كَانَ. لِيَتَوَاضَعْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُم مَعَ أَخِيْهِ المُسْلِمِ الصَّغِيْرِ وَالكَبِيْرِ، الَّذِي مَعَكُم فِي الجَمْعِيَّةِ وَالَّذِي لَيْسَ مَعَكُم لِيُعَامَلْ بِالتَّوَاضُعِ. المُسْلِمُ إِذَا فَكَّرَ فِي المُسْلِمِ أَنَّهُ أَحْسَنُ مِنْهُ لَا يَضُرُّهُ، حَتَّى يَتَيَقَّنَ أَنَّ فِيْهِ مَا يُخِلُّ بِالعَدَالَةِ، عِنْدَئِذٍ يَنْصَحُهُ حَتَّى يَصْلُحَ هَذَا الحَالُ، أَمَّا مَا لَم يَرَ فِيْهِ شَيْئًا يُخِلُّ بِالعَدَالَةِ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ أَحْسَنُ مِنْهُ.
قال الشيخ رحمه الله: السَّيِّدُ أَحْمَدُ الرِّفَاعِيُّ كَانَ يُضْرَبُ بِهِ المَثَلُ فِي لِيْنِ الجَانِبِ وَالتَّوَاضُعِ. الصَّابِئَةُ طَائِفَةٌ فِي العِرَاقِ كَانُوا يَعْبُدُوْنَ الكَوَاكِبَ وَيُصَلُّوْنَ فِي جِهَةِ الشَّرْقِ، وَاحِدٌ مِنْهُم كَانَ أَضَاعَ بَقَرَةً وَتَعِبَ فِي التَّفْتِيْشِ عَنْهَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ دَخَلَ رِوَاقَ السَّيِّدِ أَحْمَدَ وَالرِّوَاقُ كَانَ مَفْتُوْحًا يَدْخُلُهُ الغَرِيْبُ وَأَهْلُ البَلَدِ يَذْكُرُوْنَ اللهَ وَيُصَلُّوْنَ، ثُمَّ جَاءَ سَيِّدُنَا أَحْمَدُ وَقَفَ عِنْدَهُ وَقَالَ لَهُ: أَظُنُّكَ غَرِيْبًا تَعِبًا، فَجَلَبَ لَهُ قَمْحًا وَهَيَّأَ لَهُ ءَالَةَ الخَبْزِ، قَالَ: اصْنَعْ لِنَفْسِكَ خُبْزًا وَكُلْ، لِأَنَّ الصَّابِئَةَ مِنْ شِدَّةِ كَرَاهِيَتِهِم لِلْإِسْلَامِ لَا يَأْكُلُوْنَ خُبْزًا خَبَزَهُ مُسْلِمٌ، فَأَكَلَ هَذَا الصَّابِئِيُّ ثُمَّ أَرْسَلَ مَعَهُ مَنْ يُوْصِلُهُ إِلَى دِجْلَةَ لِيَرْكَبَ إِلَى أَهْلِهِ، ثُمَّ لَمَّا وَصَلَ إِلَى أَهْلِهِ قَالُوا لَهُ: أَيْنَ كُنْتَ، فَحَكَى لَهُم القِصَّةَ أَسْلَمَ هُوَ وَأَسْلَمَ أَهْلُهُ وَغَيْرُهُم مِمَّنْ سَمِعَ بِهَذَا.