لَيْسَ هُنَاكَ فَرْقٌ بَيْنَ الاحْتِمَالِ الْقَوِيِّ وَالْضَّعِيفِ مِنْ حَيْثُ وُجُوبُ التَّشَهُّدِ الاحْتِياطِيِّ فَوْرًا،

Arabic Text By Jun 24, 2016

أصلها من الشيخ عبد الرزاق الشريف مما قرئ على شيخنا عبد الله الهرري رحمه الله

هذا ما حررته على الشيخ عبد الله رحمه الله فلتستعمل في الرد على المشوشين

بسم الله الرحمن الرحيم

فَائِدَةٌ مُهِمَّة: قَوْلُ الْعُلَمَاءِ: “يَجِبُ عَلَى مَنْ وَقَعَ في الرِّدَّةِ أَنْ يَتَبَرَّأَ مِنَ الْكُفْرِ وَيَتَشَهَّدَ بِنِيَّةِ الدُّخُوُلِ في الإسْلامِ” لَيْسَ مَعْنَاهُ اشْتِرَاطَ صِيغَةٍ مُعَيَّنَةٍ قَبْلَ أَنْ يَنْطِقَ بِالشَّهَادَتَيْنِ لِيَصِحَّ دُخُولُهُ في الإسْلامِ. بَلْ إِنَّ مَعْنَى قَوْلِهِم: “أَنْ يَتَبَرَّأَ مِنَ الْكُفْرِ” أَيْ أَنْ يَكْرَهَ الْكُفْرَ وَيَتْرُكَهُ وَيُرِيدَ الْخَلاصَ مِنْهُ، وَهَذَا أَمْرٌ سَهْلٌ في الْقَلْبِ، لا يَحْتَاجُ إِلى صِيغَةٍ يَلْفُظُهَا بِلِسَانِهِ أَوْ يَنْويها بِقَلْبِهِ، بَلْ بِمْجَرَّدِ أَنَّهُ عَرَفَ أَنَّ هَذَا كُفْرٌ فَاسْتَقْبَحَهُ وَكَرِهَهُ وَتَرَكَهُ وَأَرَادَ الْخَلاصَ مِنْهُ فَهَذَا يُكُونُ تَبَرُّأً مِنَ الْكُفْرِ، وَهَذَا لا يَسْتَغْرِقُ لَحْظَةً، هَذَا مَعْنى “أَنْ يَتَبَرَّأَ مِنَ الْكُفْرِ” ، وَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَنْ يَقُولَ بِلِسَانِهِ أَوْ بِقَلْبِهِ: اللهُمَّ إِنِّي أَتَبَرَّأُ مِنْ هَذَا الْكُفْرِ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ مِنَ الْعِبَارَاتِ الَّتِي تُؤُخِّرُهُ عَنِ الدُّخُولِ في الإسْلامِ. أَمَّا قَوْلُهُم: “وَيَتَشَهَّدَ بِنِيَّةِ الدُّخُولِ في الإسْلامِ” أَيْضًا لَيْسَ مَعْنَاهُ اشْتِرَاطَ صِيغَةٍ مُعَيَّنَةٍ قَبْلَ أَنْ يَنْطِقَ بِالشَّهَادَتَيْنِ لِيَصِحَّ دُخُولُهُ في الإسْلامِ، بَلْ مَعْنَاهُ يَتَشَهَّدُ لِيَخْلُصَ مِنَ الْكُفْرِ، أيْ لَيْسَ مُجَرَّدَ أَنْ يَتَشَهَّدَ لِلذِّكْرِ وَهُوَ لا يَعْتَقِدُ أَنَّ مَا وَقَعَ فيهِ مِنَ الكُفْرِ كُفْرٌ، فَإِنَّ ذَلِكَ لا يَنْفَعُهُ.

أَمَّا لَوْ كَانَ يَعْرِفُ أَنَّ هَذَا الأَمْرَ حُكْمُهُ أَنَّهُ كُفْرٌ وَكَرِهَهُ لَكِنْ نَسِيَ أَنَّهُ صَدَرَ مِنْهُ فَتَشَهَّدَ عَلَى سَبِيلِ الْعَادَةِ نَفَعَهُ، لأَنَّهُ لَوْ تَذَكَّرَ لَتَشَهَّدَ فَوْرًا لِلخَلاصِ مِنْهُ، فَهَذَا إِنْ تَذَكَّرَ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّ هَذَا الأَمْرَ حَصَلَ مِنْهُ لا يَلْزَمُهُ تَشَهُّدٌ جَدِيدٌ لأَنَّ ذَاكَ التَّشَهُّدَ الَّذِي تَشَهَّدَهُ عَلَى سَبِيلِ الْعَادَةِ نَفَعَهُ. أَمَّا مَنْ وَقَعَ في الْكُفْرِ وَلَمْ يَعْتَقِدْ أَنَّ مَا وَقَعَ فِيهِ مِنَ الْكُفْرِ كُفْرٌ فَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَعْتَقِدَ أَوَّلاً أَنَّ مَا وَقَعَ فيهِ كُفْرٌ وَأَنْ يَتَشَهَّدَ فَوْرًا. فَمَنْ عَرَفَ أَنَّهُ وَاقِعٌ في الْكُفْرِ وَأَرَادَ الْخَلاصَ مِنْهُ ثُمَّ بَدَلَ أَنْ يَتَشَهَّدَ فَوْرًا صَارَ يَقُولُ هَذِهِ الْعِبَارَةَ أَوْ نَحْوَهَا بِلِسَانِهِ أَوْ بِقَلْبِهِ: اللهُمَّ إِنِّي أَتَبَرَّأُ مِنَ هَذَا الْكُفْرِ وَأَتَشَهَّدُ، فَإِنَّ هَذَا يُعَدُّ تَمَادِيًا في الْكُفْرِ، لأَنَّهُ أَخَّرَ نَفْسَهُ عَنِ الدُّخُولِ في الإسْلامِ، لأَنَّهُ رَضِيَ لِنَفْسِهِ أَنْ يَبْقَى وَلَوْ بُرْهَةً قَلِيلَةً مِنَ الزَّمَنِ عَلَى الْكُفْرِ، وَالْرِّضَا بِالْكُفْرِ كُفْرٌ. لَكِنْ إِنْ كَانَ لَمَّا تَشَهَّدَ يَعْرِفُ أَنَّ تَأخِيرَهُ لِنَفْسِهِ عَنِ الدُّخُولِ في الإسْلامِ كُفْرٌ فَيَكُونُ تَشَهُّدُهُ نَفَعَهُ مِنَ الْمَسْئَلَتَيْنِ، هَذَا إِنْ كَانَ يَعْتَقِدُ أَنَّ تَأخِيرَهُ لِنَفْسِهِ عَنِ الدُّخُولِ في الإسلامِ كُفْرٌ وَأَرَادَ الْخَلاصَ مِنْهُ، وَإِلا فَلا يَنْفَعُهُ تَشَهُّدُهُ إِنْ لَمْ يَعْتَقِدْ أَنَّ مَا وَقَعَ فِيهِ مِنَ الْكُفْرِ كُفْرٌ.

كَذَلِكَ مَنْ كَانَ يَعْرِفُ الصَّوَابَ في الْمَسْأَلَةِ، أَيْ كَانَ مُتَيَقِّنًا أَنَّ هَذَا الأَمْرَ حُكْمُهُ كُفْرٌ، لَكِنْ حَصَلَ عِنْدَهُ احْتِمَالٌ بِوُقُوعِهِ فيهِ، أيْ في الْكُفْرِ، فَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَتَشَهَّدَ فَوْرًا. مَنْ حَصَلَ عِنْدَهُ الاحْتِمَالُ الْحَقِيقِيُّ الَّذِي يُخْرِجُ عَنِ الْيَقِينِ، أَيْ مَا عَادَ يَعْتَبِرُ نَفْسَهُ مُؤْمِنًا يَقِينًا، هَذَا إِنْ كَانَ قَوِيًّا أَوْ ضَعِيفًا عَلَيْهِ أَنْ يَتَشَهَّد لِلاحْتِياطِ فَوْرًا. فمَنْ شَكَّ بِوُقُوعِهِ في الْكُفْرِ ثُمَّ بَدَلَ أَنْ يَتَشَهَّدَ فَوْرًا صَارَ يَقُولُ هَذِهِ الْعِبَارَةَ أَوْ نَحْوَهَا بِلِسَانِهِ أَوْ بِقَلْبِهِ: اللَّهُمَّ إِنْ حَصَلَ مِنِّي هَذَا الْكُفْرُ فَإِنِّي أَتَبَرَّأُ مِنْهُ وَأَتَشَهَّدُ، فَإِنَّ هَذَا يُعَدُّ تَمَادِيًا في الْكُفْرِ، لأَنَّهُ يَكُونُ رَضِيَ لِنَفْسِهِ أَنْ يَسْتَمِرَّ عَلَى هَذِهِ الْحَالِ الَّتِي هِيَ عَدَمُ الْيَقِينِ بالإيِمَانِ، أَيْ عِنْدَهُ احْتِمَالٌ أَنَّهُ عَلَى الْكُفْرِ وَمَعَ ذَلِكَ رَضِيَ لِنَفْسِهِ أَنْ يَسْتَمِرَّ عَلَيْهِ، فَيَكُونُ كُفْرًا. وَلَيْسَ هُنَاكَ فَرْقٌ بَيْنَ الاحْتِمَالِ الْقَوِيِّ وَالْضَّعِيفِ مِنْ حَيْثُ وُجُوبُ التَّشَهُّدِ الاحْتِياطِيِّ فَوْرًا، أَوْ مِنْ حَيْثُ وُقُوعُ مَنْ أَخَّرَّ التَّشَهُّدَ في الْكُفْرِ. لِذَلِكَ يَكْفُرُ مَنْ يَقُولُ: لا يَجِبُ عَلى مَنْ حَصَلَ عِنْدَهُ احْتِمَالٌ ضَعِيفٌ بِوُقُوعِهِ في الْكُفْرِ أَنَّ يَتَشَهَّدَ لِلاحْتِياطِ.

وَحَاصِلُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ مَنْ أَخَّرَ نَفْسَهُ أَوْ غَيْرَهُ عَنِ التَّشَهُّدِ لِوُقُوعِهِ في الْكُفْرِ يَقِينًا أَوِ لاحْتِمَالِ وُقُوعِهِ في الْكُفْرِ احْتِمَالاً حَقِيقِيًّا – سَواءٌ كَانَ قَوِيًّا أَوْ ضَعِيفًا – بِنِيَّةٍ يُجْرِيهَا عَلَى قَلْبِهِ أَوْ لَفْظٍ يُجْرِيهِ عَلَى لِسَانِهِ أَوْ فِعْلٍ كَغُسْلٍ وَغَيْرِهِ فَإِنَّهُ يُعَدُّ كَافِرًا وَالْعِيَاذُ بِاللهِ تعالى. واللهُ تعالى أَعْلَمْ.