السؤال: يستدلّ المشبهة أتباع ابن تيمية توفي سنة 728 هـ. وليس من السلف زماناً ولا اعتقاداً، على أن الله محصور في السماء بحديث الجارية، رُويَ أن النبي قال لها أين الله، قالت في السماء. فما قول أهل العلم في ذلك؟
الجواب: اعلم أخي أرشدني الله وإياك أن كلام السلف الصالح وعلماء أهل السنة والجماعة وما ثبت عن العلماء المجتهدين بالأسانيد المتصلة هو ما حكاه الإمام الطحاوي (ت 321 هـ.) في عقيدته إجماعاً قال رحمه الله: “ولا تحويه – أي الله – الجهات الستّ كسائر المبتدَعات” بفتح الدال اي المخلوقات.
واستدلال المشبهة بإحدى روايات حديث الجارية فيها أن الرسول سألها أين الله قالت في السماء، وفي رواية أشارت إلى السماء، فإن هذه الرواية على اضطراب إسنادها كما أشار إليه الحافظان الكبيران البيهقي في السنن الكبرى وابن حجر في تلخيص الحبير وغيرهما، لا تساعد زعم المشبهة ومرادهم الفاسد لأن الله تعالى قال في سورة الزخرف: “وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الأَرضِ إِلَهٌ” (الآية 84)، وليس معنى الآية أن الله محصور في الأرض كما هو محصور في السماء، بل هذا مما يضحك منه العقلاء، فإن الله كما تنزه عن أن يكون محصوراً في الأرض فهو منزه أيضاً عن أن يكون محصوراً في السماء التي هي كالأرض وما فيهما وما عليهما من جملة مخلوقاته، كان سبحانه قبل وجودهما، فالقرآن يعطي عكس اعتقاد المشبهة لله بخلقه.
ثم حديث الجارية الذي يستدلون به لم يورده مسلم في كتاب الإيمان من صحيحه لأنه لم يره صالحاً للاحتجاج به في العقيدة، فالاحتجاج بهذا الحديث في العقيدة بدعة لم يفعلها السلف.
ثم كما أن آية الزخرف التي تقدم ذكرها مصروفة عن ظاهرها إجماعاً لتنزه الله عن أن يكون في الأرض أو عليها، فكذلك يُصرف بإجماع المسلمين حديث الجارية وما أشبهه عن ظاهره عند من رووه باتفاق من الحفاظ الفقهاء أمثال القاضي عياض المتوفى سنة 656 للهجرة والنووي المتوفى سنة 676 هـ. نصّا على ذلك في شرحيهما على مسلم، وأبي بكر ابن العربي 543 هـ. في شرح الترمذي، وابن حجر العسقلاني 852 هـ. في شرح البخاري، والحافظ البيهقي توفي سنة 458 هـ.، في كتابي الاعتقاد والأسماء والصفات، وهو – اي البيهقي – قال في مؤلفاته قبل نحو ألف سنة إن الله موجود بلا مكان واستدل على ذلك بالقرآن والسنة، ومن شاء فلينظر كتابيه اللذين تقدم ذكرهما. وهذه الرواية لحديث الجارية عند من رضوها بلفظ “أين الله” قالت: “في السماء” فسروها من تقدم ذكرهم في كتبهم التي سمّيناها بمعنى علو القدر والعظمة والشرف وليس الجهة والمكان، كما يقال الله أكبر على معنى علو القدر والعظمة لا على معنى الحجم لتنزه الله عن الحجمية والكيفية والمكان والجهة سبحانه ليس كمثله شىء.
وهذا ما عليه السلف الصالح من تأويل ما ورد من ذلك بارتفاع القدر ليس المكان والحركة كسائر صفات المخلوقين، قال الإمام ابن جرير الطبري [ت 310 هـ.] في تفسيره إن الاستواء في كلام العرب منصرف على وجوه منها الاحتياز والاستيلاء كما يقال استوى فلان على المملكة، ثم أوّل قول الله تعالى: “ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء” [البقرة: ٢٩] قال: علا عليها علو مُلك وسلطان لا علو انتقال وزوال (اي حركة). وهذا من الطبري تـنزيه لله عن الجلوس والجهة والمكان وعن الاستقرار والمحاذاة وسائر ما كان من صفة المخلوق. وقال كذلك في مقدمة تاريخه عن الله تعالى: لا تحيط به الأوهام، ولا تحويه الأقطار ولا تدركه الأبصار. وهذا كله منه رحمه الله تنزيه لله تعالى عن مشابهة الخلق.