لا يجوز تحريف القرآن في القراءة ولا عذر للجاهل.
الله تعالى امتدح قوماً فقال فيهم: “الَّذِينَ ءاتَينَاهُمُ الكِتَابَ يَتلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ” (البقرة، 121)، قال ابن مسعود: “والذي نفسي بيده، إن حق تلاوته أن يُحلّ حلاله ويُحرّم حرامه ويقرأه كما أنزله الله، ولا يحرّف الكلم عن مواضعه، ولا يتأول منه شيئاً على غير تأويله”، وفي كلامه رضي الله عنه فوائد منها منع تحريف القرآن لفظاً ومعنى، وجواز التأويل لمقتضى عقلي أو نقليّ على ما يوافق اللغة والشريعة، قاله الفخر الرازي وغيره.
وهذه الآية وغيرها من الأدلة الشرعية تدلّ على أنه لا يجوز قراءة القرآن الكريم بطريقة مخلة بما يجب مراعاته من التشكيل وحركات أواخر الكلمات وإخراج الحروف من مخارجها، فمن لم يراع ذلك فقد خرج بالإثم بدلاً من الأجر والثواب. وفي الجزرية في علم التجويد يقول ابن الجزري رحمه الله: ”من لم يصحّح القران آثم”، وهذا صريح من أحد أئمة هذا العلم في أن ترك تصحيح القراءة فيه إثم فضلاً عن أن يكون فيه أجر وثواب.
قال الحافظ المنذري في شرحه على مسلم: “قوله (أي النبيّ صلى الله عليه وسلم) “والذي يقرأ القرآن ويتتعتع فيه وهو عليه شاق له أجران” والتعتعة فيه لأن القراءة عليه شاقة وصعبة، إما لكونه في بداية التعلم والحفظ أو لاختلاف لغته عن اللغة العربية لكونه أعجمياً مثلاً. ولمّا كانت القراءة عليه شاقة فله أجران، أجر بالقراءة وأجر التعتعة في التلاوة والمشقة في القراءة، أو التعتعة بسبب ثقل اللسان خلقة وطبيعة. وقيل (إن) الذي يتتعتع هو الذي يتردد في التلاوة لضعف حفظه وإتقانه، لكن والله تعالى أعلم، الأول هو الأصح والأقوى لأنّ الإنسان إذا قصّـر في الحفظ والمراجعة وحصل له تردد في التلاوة والقراءة، فإن هذا لا يكون له فيه مزية أو فضل لأنه أهمل المراجعة والحفظ.
وكون الذي يتتعتع له أجران، لا يدل على أنه أفضل درجة من الماهر، فقد يكون للماهر أجور أكثر منه وذلك لمهارته.
ولم يذكر الرسول صلى الله عليه وسلم كم للماهر من الأجر، وإنما قال: “هو مع السفرة الكرام البررة” وهي بشارة عظيمة بلا شك لكل من اعتنى بكتاب الله وحفظه وأتقنه وأكمل قراءته وأتمّه، فإنه يكون مع ملائكة الرحمن السفرة الكرام البررة. انتهى من كلام المنذري رحمه الله.
ويؤيد ما ذكرناه حديث مسلم “من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو ردّ” أي مردود. فمن أراد أن يقرأ القرآن فليتعلم ذلك لأنه مسؤول عما ينطق به، ولا يكفي أن يقول نيتي قراءة القرآن مع الغلط في التنزيل فإنه يكون موزوراً غير مأجور وقد قال تعالى: ”وَلا تَقفُ مَا لَيسَ لَكَ بِهِ عِلمٌ إِنَّ السَّمعَ وَالبَصَرَ وَالفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنهُ مَسـئُولاً” (سورة الإسراء، 36). والخلاصة أن الجهل ليس عذراً وقول الله تعالى: “ولا تقْف ما ليس لك به علم” أي لا تخض في ما لا تعلم ولو بالقول.