التوحيد إفراد القديم من المحدَث. والقديم هو الله الأزلي، وأما المحدَث فهو المخلوق.
سؤال: هل كان في زمن السلف تقسيم التوحيد إلى توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية وتوحيد الأسماء والصفات؟
الجواب: لا، هذا التقسيم المبتدَع المفترى لا يعرفه السلف الصالح، ومن نسبه إليهم فهو كذاب مفتر، ولو أتعب نفسه الدهر لا يجد ذلك في كلام مثل الإمام الشافعي وغيره من أئمة أهل العلم في زمن السلف رضي الله عنهم.
فهذا التقسيم من بدع ابن تيمية المجسم توفي سنة 728 هـ. فهو ليس سلفياً لا من حيث الزمن ولا من حيث الاعتقاد لمخالفاته الكثيرة في الأصول والفروع، عبد خذله الله وأضله كما قال ابن حجر الفقيه في الفتاوى.
والردّ عليهم في حديث سؤال القبر لأبي داود وأحمد وفيه: “وَيَأْتِيهِ (أي المؤمن) مَلَكَانِ فَيُجْلِسَانِهِ فَيَقُولاَنِ لَهُ: مَنْ رَبُّكَ فَيَقُولُ: رَبِّيَ اللَّهُ”. فلو كان توحيد الربوبية مغايرا لتوحيد الألوهية لكان سؤال الملكين في غير محله أو جواب المؤمن للملكين في غير محله، وكلا الاحتمالين غير وارد.
وقال العلامة الشيخ يوسف الدجوي المتوفى سنة 1948 وهو من كبار مشايخ المالكية في مصر في زمنه وعضو هيئة كبار العلماء: ”قولهم (أي أتباع ابن تيمية) إن التوحيد ينقسم إلى توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية تقسيم غير معروف لأحد قبل ابن تيمية، وما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لأحد دخل في الإسلام إن هناك توحيدين وإنك لا تكون مسلماً حتى توحد توحيد الألوهية، ولا أشار إلى ذلك بكلمة واحدة، ولا سُمِع ذلك عن أحد من السلف الذين يتبجحّون (أي مدعو السلفية) باتباعهم في كل شيء (وهم كاذبون)، ولا معنى لهذا التقسيم، فإن الإله الحق هو الربّ الحق”، هكذا يقال لهم: كلامكم وتقسيمكم مردود عليكم.
ويكفي في الردّ على هؤلاء المبتدعة ما يقرؤه المسلم في كل ركعة من صلاته كل يوم وهو قولنا في سورة الفاتحة: “الحمد لله ربّ العالمين”، هذه وحدها تكفي في الردّ عليهم، لأن من له الحمد وهو الله أي من له الألوهية أي الخالقية، هو ربّ العالمين أي هو من له الربوبية وهو أنه مالك كل شيء. فتوحيد الألوهية هو توحيد الربوبية لا فارق بينهما.
ومما يدل على ذلك كذلك ما ذكره ابن خالويه (ت 370 هـ.) في كتابه في إعراب الفاتحة وهو من مشاهير اللغويين النحاة، قال رحمه الله إن لفظ “ربّ” مجرور إما على أنه نعت لله أو بدل من لفظ لله، اي في آية ”الحمد لله ربّ العالمين”، فيكون في الحالين من له الألوهية هو من له الربوبية، فالله هو ربّ العالمين، وربّ العالمين هو الله، وهذه الآية كافية وحدها في نقض زعم المشبهة في أن هنالك فارقاً بين توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية.
قال الحافظ ابن حجر العسقلاني في شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري: وأما أهل السنة ففسروا التوحيد بنفي التشبيه والتعطيل، ومن ثم قال (إمام الصوفية) الجنيد فيما حكاه أبو القاسم القشيري: “التوحيد إفراد القديم من المحدث”.
ثم توحيد الألوهية داخل في عموم توحيد الربوبية بدليل أن الله تعالى لما أخذ الميثاق على ذرية آدم خاطبهم تعالى بقوله (أي قال الملك (مفرد الملائكة) مبلغاً عن الله إن ربكم يقول): “ألستُ بربكم” ولم يقل بإلهكم، فاكتفى منهم بتوحيد الربوبية، ومن المعلوم أن من أقرَّ له تعالى بالربوبية فقد أَقرَّ له بالألوهية.