السؤال: هل نصّ علماء أهل السنة على استحباب أن يدعو الإمام بعد الصلوات المفروضات ويقول المأمومون آمين؟
الجواب: نعم، نصّ فقهاء أهل السنة والجماعة على استحباب ذلك ومشروعيّـته لأن الدعاء يكون أقرب للإجابة بعد الصلاة المفروضة لحديث الترمذي عن أَبِي أُمَامَةَ رضي الله عنه قَالَ قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَىُّ الدُّعَاءِ أَسْمَعُ قَالَ “جَوْفُ اللَّيْلِ الآخِرُ وَدُبُرَ الصَّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَاتِ”، قَالَ الترمذي هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ.
ثم الدعاء والذكر جماعة حض عليهما رسول الله صلى الله عليه وسلم، ففي باب التأمين على الدعاء من مجمع الزوائد للحافظ نور الدين الهيثمي عن حبيب بن مسلمة الفهري رضي الله عنه وكان مستجاباً أنه أمر على جيش فدرب الدروب، فلما لقي العدو قال للناس: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ”لا يجتمع ملأ فيدعو بعضهم ويؤمّن سائرهم إلا أجابهم الله”.
وكذلك الجهر بالذكر منصوص على استحبابه دبر الصلوات وفي غيرها من المواطن المشروع فيها ذلك، ولا شك أن الداعي ذاكرٌ لربّه سبحانه، وفي حديث مسلم عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: “يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِى بِى وَأَنَا مَعَهُ حِينَ يَذْكُرُنِى. إِنْ ذَكَرَنِى فِى نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِى نَفْسِى، وَإِنْ ذَكَرَنِى فِى مَلإٍ ذَكَرْتُهُ فِى مَلإٍ هُمْ خَيْرٌ مِنْهُمْ”، فهذا الحديث القدسي واضح جليّ في استحباب الذكر في ملإ أي جماعة وأن الله تعالى يثيب عليه ثواباً عظيماً.
ثم نصوص الفقهاء مستفيضة في استحباب ذلك ومشروعيته ولا عبرة بمن خالف في ذلك من المبتدعة، ومن ذلك نص فقهاء المذهب الحنبلي الذي يدّعي بعض أتباع ابن تيمية الانتساب إليه وهم يخالفون سيدنا أحمد رضي الله عنه في مسائل شنيعة في الفروع فضلاً عن مخالفاتهم للمسلمين في أصل الاعتقاد والعياذ بالله. ومن فقهاء الحنابلة الذين نصوا على استحباب الدعاء بعد الصلاة الشيخ منصور البهوتي في كشاف القناع قال رحمه الله في “فصل، يسن ذكر الله والدعاء والاستغفار عقب الصلاة” ما نصه: “(ويدعو) الإمام (بعد فجر وعصر لحضور الملائكة) أي ملائكة الليل والنهار (فيهما فيؤمّنون [أي المأمومون]) على الدعاء فيكون أقرب للإجابة، (وكذا) يدعو بعد (غيرهما من الصلوات) لأن من أوقات الإجابة ادبار المكتوبات).ا.هـ. وهذا نص من المذهب الحنبلي على استحباب ذلك.
وقال الحافظ النووي في المجموع شرح المهذب للشيرازي إنّ الذكر والدعاء بعد الصلاة المفروضة مستحبّ بالاتفاق بلا خلاف أي بالإجماع، ثم قال: “وأما ما اعتاده الناس أو كثير منهم من تخصيص دعاء الإمام بصلاتي الصبح والعصر فلا أصل له، وإن كان قد أشار إليه صاحب الحاوي فقال: إن كانت صلاة لا يتنفل بعدها كالصبح والعصر واستدبر القبلة واستقبل الناس ودعا، وإن كانت مما يتنفل بعدها كالظهر والمغرب والعشاء فيختار أن يتنفل في منزله. وهذا الذي أشار إليه (صاحب الحاوي) من التخصيص لا أصل له، بل الصواب استحبابه في كل الصلوات، ويستحب أن يقبل على الناس فيدعو والله أعلم”.