كَانَ ذَاتَ يَوْمٍ رَسُولُ اللهِ مَعَ أَصْحَابِهِ فَسَمِعُوا وَجْبَةً، فَقَال : أَتَدْرُونَ مَا هَذَا ؟ قَالُوا : اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ : هَذَا حَجَرٌ رُمِيَ بِهِ فِي جَهَنَّم مُنْذُ سَبْعِينَ سَنَة حَتّى انتهَى الآن َ إِلى قَعْرِهَا .
هَذَا الصَّوْت الَّذي سَمِعُوهُ صَوْتُ وُقُوعِهِ في قَعْرِ جَهَنَّم .
جَهَنَّمُ مِنْ حَيْثُ الْمَسَافَةُ بَعِيدَةٌ، بَيْنَنَا وَبَيْنَهَا سَبْعُ أَرَاض هذه الأَرْضُ، وَالأَرَاضي السِـّتَّة الَّتي تَحْتَ هَذِهِ، هكذا هِيَ السَّبْعُ، هذه تَحْتَ هَذِهِ، ثُمَّ تَحْتَ هَذِهِ أُخْرَى، ثُمَّ تَحْتَ تلكَ أُخْرَى، لَسْنَ هكذا بَعْضُهُنَّ جَنْبَ بَعْضٍ .
اللَّهُ تباركَ وتعالَى أَسْمَعَهُمْ لِيَسْمَعُوا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هذه الْفَائِدةَ التي فيها تَنْبِيْهٌ وَتَحْذِيرٌ .
وكَثيراً مَا يَحْصُلُ هَذَا الْكَلاَم الَّذِي يُرْدِي صَاحِبَهُ إِلَى مَهَاوِي جَهَنَّم مِنْ هذا النوع الذي جَاءَ في الحديث : إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَّلمَ بِالْكَلِمَةِ لاَ يَرَى بِهَا بَأْسًا يَهْوِي بِهَا فِي النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا بمَزْحَةٍ وَاحِدَةٍ .
قَدْ يَزْلَقُ بِمَزْحَةٍ واحدةٍ وَلاَ يَرَى بهَا بَأْسًا فيستوجِبُ هذا النُّزُولَ إِلَى نِهَايَةِ قَعْرِ جَهَنَّمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ .
انظروا ماذا حصل نقل لي
اليومَ ذَكَرَ لي شَخْصٌ أنَّهُ قالَ لصديق لَهُ يُمَازِحُهُ أَذْبَحُكَ في سَبِيلِ اللَّهِ . لَوْ قَالَ : أَذْبَحُكَ وَسَكَتَ لَمْ يَقَعْ في كُفْرٍ، لكنْ لَمَّا زَادَ كلمة في سَبِيلِ اللَّهِ وَقَعَ في الْكُفْرِ . انْظُرُوا، هُوَ كَانَ يَمْزَحُ، مَا كَانَ يُشَاجِرُهُ إِنَّمَا كَانَ يُمَازِحُهُ فَوَقَعَ في هذه الْمَهْلَكَةِ الْعَظِيمَةِ، هُوَ لاَ يَظُنُّ، لاَ يُفَكِـّرُ، هَذِهِ مِنْ جُمْلَةِ الْكَلِمَات التي قَالَ الرَّسُولُ عَنْهَا : لاَ يَرَى بِهَا بَأْساً إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ لاَ يَرَى بِهَا بَأْسًا أَيْ لاَ يَظُنُّ أَنَّهَا حَرَام، لكنَّهَا عِنْدَ اللَّهِ أَحْرُم الْحَرَامِ لأَنَّهَا كُفْرٌ .
هَذَا الشَّخْصُ لماذَا وَقَعَ في الْكُفْرِ ؟ لأنه جَعَلَ بِاللَّفْظِ، هُوَ لاَ يَعْتَقِد، جَعَلَ بِاللَّفْظِ ذَبْحَ هذا الْمُسْلِم في سَبِيلِ اللَّهِ، هَذَا اسْتِحْلاَلٌ لأكْبَرِ الذُّنُوبِ بَعْدَ الْكُفْرِ . مَا هُوَ أَكْبَرُ الذنوبِ بَعْدَ الْكُفرِ ؟
قتلُ النفس التي حرّم الله إِلاَّ بِالْحَقِّ جَعَلَ هَذَا في سَبِيلِ اللَّهِ بِلَفْظِهِ، أَمَّا اعْتِقَاداً فَلاَ يَعْتَقِد .
الاعْتِقَادُ لَيْسَ شَرْطًا، مَنْ تَكَلَّمَ بِكَلِمَةِ الْكُفْرِ، إِنْ اعْتَقَدَهَا، وَإِنْ لَمْ يَعْتَقِدْهَا، خَرَجَ مِنْ دِينِ اللَّهِ، اسْتَحَقَّ النُّزُولَ في قَعْرِ جَهَنَّمَ في عمق جهنم، إِلى النِـّهَايَةِ الَّتِي هِيَ مَسَافَةُ سَبْعِينَ سَنَة .
الكلمةُ الكفريّة قد تَصْدُرُ في الْغَضَبِ، لَمَّا يُغَاضِبُ الشَّخْصُ شَخْصًا، يتشاجَرُ مَعَهُ فكثيراً مَا يَكْفُرُ، يَزْلَقُ إِلَى الْكُفْرِ، وَقَدْ تَحْصُلُ في الْمَزْحِ، فَالْحَذَرَ الْحَذَر مِنَ التَّهَوُّرِ بِالكَلاَمِ الْمُهْلِكِ الْمُزْلِقِ إِلَى جَهَنَّمَ .