قال علم الهدى الإمام أبو منصور الماتريدي (توفي 333 للهجرة) في الردّ على مشبهة زمانه وإظهار حقية مذهب أهل السنة والجماعة في تنزيه الله عن المكان وأن السماء قبلة الدعاء وليست مسكناً لله، حاشاه تعالى ليس كمثله شيء، ما نصه: “وأما رفع الأيدي إلى السماء فعَلى (وجه) العبادة. ولله أن يتعبَّد عبادَهُ بما شاء، ويوجّههم إلى حيث شاء”.
ثم قال رحمه الله: “وإنّ ظَنّ مَن يَظنّ (أي من الجهلة الضالين) أنّ رَفْع الأبصار إلى السماء لأن الله من ذلك الوجه، إنما هو كظنّ من يزعم أنه (أي الله) إلى جهة أسفل الأرض بما يضع عليها (العبدُ) وجهَه متوجّهاً في الصلاة (أي في السجود)، وكظنّ من يزعم أنه (أي الله) في شرق الأرض وغربها بما يتوجه إلى ذلك في الصلاة (يريد النافلة المسنونة على الدّابة كالجمل للمسافر)، أو نحو مكة لخروجه (أي قاصد الحجّ) إلى الحجّ..، جلّ الله عن ذلك”، ذكره في كتاب التوحيد. ويريد الماتريدي رحمه الله الاستدلال بأن كل تلك المزاعم فاسدة.
وقال كذلك ما نصه: “ﻭَﻻ ﻳُﻮﺻَﻒُ شيﺀٌ ﺑِﺎﻟْﻘُﺮﺏِ ﺇِﻟَﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻣِﻦ ﻃَﺮِﻳﻖ ﺍلمسافة ﻭﺍﻟْﻤِﺴﺎﺣﺔ. ﻭَﻻ (يوصف) ﻫُﻮَ (أي الله) ﺑِﺎﻟﻘُﺮْﺏِ ﺇِﻟَﻰ شيﺀٍ ﻣِﻦ ﺫَﻟِﻚ ﺍﻟﻮَﺟْﻪ، ﺇِﺫْ ﺫَﻟِﻚ ﺟِﻬَﺔُ ﺍﻟْﺤُﺪُﻭﺩِ ﻭَﺍﻟﺘَّﻘْﺪِﻳﺮِ ﺑﺎﻷَﻣْﻜِﻨَﺔ، ﻭَﻗﺪ ﻛَﺎﻥَ (أي ﺍﻟﻠﻪ) ﻭَﻻ ﻣَﻜَﺎﻥ، ﻓَﻬُﻮَ ﻋﻠﻰ ﻣَﺎ ﻛَﺎﻥَ، يتعالى ﻋَﻦ ﺍﻟﺰَّﻣَﺎﻥ ﻭَﺍﻟْﻤَﻜَﺎﻥ”.
وعلى هذا اتفاق كل المسلمين أن الله لا يحتاج إلى شيء لأنه وصف نفسه فقال: “هُوَ الغَنِيُّ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ” (يونس، 68). فما في السموات مِلك لله مالك العالمين، أما هو تعالى فهو “بَدِيعُ السَّمَوَاتِ وَالأَرضِ” (البقرة، 117) أي خالقهما على غير مثال سبق، فلو كان الله فيها أو في إحداها لكان سبحانه مملوكاً، والله في الحقيقة مالك الملك ليس مملوكاً سبحانه.
فدلّ كلّ ذلك على تنزهه تعالى عن المكان والجهة والحيز لأن كلّ ذلك ملك له تبارك وتعالى.
وهذا إجماع السلف كما قال الإمام الطحاوي (توفي 321 للهجرة) مادحاً الله عز وجلّ: “تعالى عن الحدود والغايات والأركان والأعضاء والأدوات، لا تحويه الجهات الست كسائر المبتدَعات” أي المخلوقات