الحمدُ للهِ وبعدُ فكلامُنا اليومَ في ما حصلَ مع سيدِنا إبراهيمَ عليهِ السلامُ بَعْدَ أنِ انْتَهى مِنْ بِناءِ الكعبةِ مع ولدِهِ إسماعيلَ أمرَهُ اللهُ أنْ يُؤَذِّنَ في الناسِ بالحجِّ، قالَ اللهُ تعالى في القرءانِ الكريمِ: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ* لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ}.
اللهُ تعالى أمر إبراهيمَ عليهِ السلامُ أنْ يُناديَ في الناسِ بالحجِّ ويدعوَهم إليهِ فقالَ إبراهيمُ: “يا ربِّ كيفَ أُسْمِعُهُم” فقالَ اللهُ لهُ: “عليَّ البلاغُ” أيْ أنا أُسْمِعُهُم، ومعلومٌ أن كلامَ اللهِ ليسَ ككلامِنَا فليسَ صَوتًا ولا حَرْفًا ولا لُغَةً. كلامه تعالى ليسَ ككلامِ العالمينَ.
فنَادَى سيّدُنا إبراهيمُ عليهِ السَّلامُ في مكانِهِ: {ياأيُّها النّاسُ إنَّ اللهَ كَتَبَ عَلَيْكُم الحجَّ} فَسَمِعَ كلُّ روحٍ يَحُجُّ إلى يومِ القيامةِ صوتَ إبراهيمَ عليهِ السَّلام، كما في المستدركِ للحاكمِ.
فاستجابَ المؤمنونَ الموحِّدونَ المخلصونَ الراغبونَ في ما عندَ الِله، وأقبَلُوا إلى بيتِ اللهِ الحرامِ معبِّريَن عن استجابتِهم وإخلاصِهم ولزومِهم لطاعةِ اللهِ بقولِهم: “لبيكَ اللهُمَّ لبيكَ، لبيكَ لا شريكَ لكَ لبيكَ، إنَّ الحمدَ والنعمةَ لكَ والملكَ، لا شريكَ لكَ”.
انطلقوا المؤمنون إلى بيتِ اللهِ مُشاةً وراكبينَ مِنْ كلِّ طريقٍ بعيدٍ، مِنْ كلِّ الجهاتِ والأقطارِ، فارقوا الأوطانَ والديارَ، وتركوا الشهواتِ والأوطارَ، وأنفقوا الدرهمَ والدينارَ، رجاءَ المغفرةِ والعتقِ من النارِ.
فيا مَنْ يَسَّرَ اللهُ عليهِ وأمدَّهُ بالصحةِ والأموالِ عجِّلْ إلى الحجِ وبادِرْ، واسْعَ في الخيرِ وثابِرِ، قبلَ زيارةِ المقابرِ، فكأني بكَ قد سبقكَ المجدّونَ وفازوا وأنتَ متأخرٌ خاسرٌ.
ولكن لا يتعجَّلْ إلى الحجِّ إلا المؤمنُ الذي يُريدُ مغفرةَ اللهِ ورضاهُ، الذي استجابَ للهِ تعالى وللرسولِ صلى اللهُ عليه وسلمَ في المنْشَطِ والمكرهِ، وفي الشدةِ والرخاءِِ.
وجعلَ اللهُ الكعبةَ البيتَ الحرامَ مقصدَ الملايينِ من المسلمينَ يَؤُمُّونها كلَّ عامٍ مِنْ كلِّ فجٍّ عميقٍ مِنْ مشارقِ الأَرضِ ومغاربِها على اختلاِف أجناسِهِم ولُغاتِهِم وأَلوانِهم لا فرقَ بينَ فقيرٍ وغنيٍّ وكبيرٍ وصغيرٍ ولا فرقَ بينَ عربيٍّ وأَعجميٍّ إلا بالتقوى.
يقولُ اللهُ تعالى: {يا أيُّها الناسُ إنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذكرٍ وأنثى وجَعلناكُم شعوبًا وقبائلَ لِتَعَارَفُوا إنَّ أكرمَكُم عندَ اللهِ أتقاكُم}.
نسألُ اللهَ العظيمَ ربَّ العرشِ العظيمِ أن يجعلَنا مِنْ حُجَّاجِ البيتِ الحرامِ ومن زوّارِ حبيبِهِ المصطفى صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ومِنَ التائبينَ المتقينَ والهادينَ المهتدينَ إنَّهُ سميعٌ مجيبٌ.
يقولُ عليهِ الصلاةُ والسلامُ: “التَّائِبُ مِنَ الذَّنْبِ كمَن لا ذنْبَ لهُ” حديثٌ صحيحٌ رواهُ ابنُ ماجَهْ عن ابنِ مَسعُودٍ. وروى البخاريُّ في الصحيحِ مرفوعًا: “مَنْ كانَ لأخيهِ عندَهُ مظلِمةٌ في عرضٍ أو مالٍ فليَسْتَحِلَّهُ اليومَ قبلَ أن لايكونَ دينارٌ ولا دِرْهمٌ”.
اللهُمَّ إني أعوذُ بكَ من عِلمٍ لاينفَعُ، ودعاءٍ لايُسمعُ، ونفسٍ لا تَشبعُ، وقلبٍ لايَخشعُ.