الملائكة
بسم الله الرّحمَن الرّحيم
الحمدُ لله المعبود ..واجب الوجود .. المتعالى عن الأشكالِ والأندادِ والجهات والحدود .. المنزه عن الشبيهِ والمثيلِ والنظيرِ والشريكِ والمعين والوزير .. ليسَ كمثلِهِ شىء وهوَ السميعُ البصير ..الموجود أزلا وأبدا بلا مكان
وبعد فقد رَوَى الإمامُ مسلمٌ في (صحيحه) عن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أنه قال
خَلَقَ الله الملائكةَ من نور، وخَلَقَ الجانَّ من مارجٍ من نار، وخَلَقَ ءادمَ مِمَّا وُصِفَ لكم
فيجب الإيمانُ بوجودِ الملائكةِ وأنهم عبادُ الله المُكْرَمُون. خَلَقَ الله الملائكةَ من نور،فهم أجسامٌ نُورانيَّةٌ لهم عقلٌ واختيار. وهم كما وَصَفَهُمُ الله تعالى بقولهِ:
{لا يَعْصُونَ الله ما أَمَرَهُمْ ويَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُون} [التحريم/6].
فالملائكةُ كلُّهم أجمعونَ مسلمونَ صالحونَ أولياءُ الرَّحمٰنِ معصومونَ من الوقوعِ في المعاصي. ولا نستثني منهم أحدًا. وليس فيهم كافرٌ ولا فاسقٌ ولا عاصٍ.
وأمَّا الجِنُّ فهُمْ إبليسُ وذُرِّيَّتُهُ. وإبليسُ هو أبو الجِنِّ. خَلَقَهُ الله من مارجٍ من نار، أي من لهيبِ النَّارِ الصَّافي الذي لا دُخَانَ مَعَهُ.
ولقد ثَبَتَ في الخبرِ الصَّحيحِ أنَّ إبليسَ كانَ مَعَ الملائكةِ في السَّماء يَتَعَبَّدُ اللهَ مَعَهُمْ وذلكَ قبلَ أَنْ يَكْفُرَ باعتراضهِ على الله. قال الله تعالى:
{وإذْ قلنا للملائكةِ اسجدوا لآدَمَ فسجدوا إلَّا إبليسَ كانَ من الجِنِّ فَفَسَقَ عن أَمْرِ رَبِّه} لكهف/50
والجِنُّ ليسوا نارًا، وإنما أَصْلُهُمُ النَّارُ، ونارُ الدُّنيا هذه التي نعرفُها تُحْرِقُهُمْ.
والجِنُّ فيهمُ الكُفَّارُ وفيهِمُ المسلمونَ الصَّالحونَ وفيهِمُ المسلمونَ الفُسَّاقُ. والجِنُّ فيهِمُ الذُّكُورُ وفيهِمُ الإناث. ومِنَ الفَرْقِ العظيمِ بين الجِنِّ والملائكةِ أنَّ الله قد خَلَقَ في الجِنِّ شَهْوَةَ الأكلِ وشَهْوَةَ الشُّرْبِ وشَهْوَةَ جمعِ المال وشَهْوَةَ النِّساء، ولذلكَ هم يَتَزَوَّجُونَ ويَلِدُونَ. وأمَّا الملائكةُ فإنَّ الله لم يجعلْ فيهِمْ حاجةً إلى الأكلِ والشُّربِ والنِّساء وجمعِ المال، فَهُمْ مِنْ حيثُ الجنسُ ليسوا ذكورًا وليسوا إناثًا، ولذلكَ هم لا يَتَزَوَّجُونَ ولا يَلِدُونَ. والمَلَكُ على صورتهِ الأصليَّة ذو جَنَاحَيْنِ فأكثر.
قال الله تعالى: {الحمدُ لله فاطرِ السَّمٰواتِ والأرضِ جاعلِ الملائكةِ رُسُلًا أُولي أجنحةٍ مَثْنَى وثُلاثَ ورُبَاعَ يَزِيدُ في الخَلْقِ ما يشاء} فاطر/1
وقد ثَبَتَ في (صَحِيحَيْ البُخَارِيِّ ومسلم) أنَّ رسولَ الله أخبرَ بأنَّ جبريلَ له سِتُّمِائَةِ جَنَاحٍ. كما ثَبَتَ أنَّ في الملائكةِ مَنْ هو أكبرُ جسمًا من جبريلَ كحَمَلَةِ العرش.فقد ثَبَتَ في [(سننِ أبي داودَ)/كتاب السُّـنَّة] أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال:
“أُذِنَ لي أَنْ أُحَدِّثَ عَنْ مَلَكٍ من ملائكةِ الله من حَمَلَةِ العَرْشِ، إنَّ ما بينَ شَحْمَةِ أُذُنهِ إلى عاتقهِ مسيرةُ سَبْعِمِائةِ عام”.
ويشتركُ الملائكةُ والجِنُّ في أنَّ كِلَيْهِمَا أجسامٌ لطيفة. وقد أعطاهمُ الله سبحانَه وتعالى القدرةَ على التَّشَكُّلِ بأشكالٍ مختلفةٍ. فالملائكةُ خَلْقٌ يستترونَ عن أَعْيُنِ البشر. والجِنُّ خَلْقٌ مستترونَ عن أعينِ البشرِ كذلك.
قال الله تعالى: {واذْكُرْ في الكتاب مريمَ إذِ انتبذتْ من أهلِها مكانًا شرقيًّا. فاتخذتْ من دونهِم حجابًا فأرسلنا إليها رُوحَنَا فتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا} مريم/16/17.
وفي الآيةِ دليلٌ على أَنَّ جبريلَ تمثَّل لمريمَ بصورةِ بَشَرٍ سَوِيِّ الخِلْقَةِ.
وقد ثَبَتَ أنَّ جبريلَ جاءَ يومًا إلى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وجَلَسَ إليه يسألُه عن الإسلام والإيمانِ والإحسانِ وأشراطِ السَّاعةِ والرَّسُولُ يُجيبُه، وكانَ الصَّحابةُ حاضرينَ ينظرونَ إليه وهو على هيئةِ رَجُلٍ لا يعرفونه. ولَمَّا انصرفَ جبريلُ قالَ رسولُ الله:
“هذا جبريلُ جاء ليعلِّم النَّاسَ دينَهم“. رواه البخاريُّ ومسلم
وهذا دليلٌ ءاخَرُ على أنَّ الملائكةَ تَتَشَكَّلُ بقدرةِ الله بأشكال رجال من البشر. لكنِ اعتقادُنا أنَّ المَلَكَ إذا تَشَكَّلَ بشكلِ رَجُلٍ من البشرِ فالتشكُّل يكونُ بلا سَوْأَةٍ. يجبُ الجَزْمُ بذلكَ وبأنهم لا يَتَشَكَّلُونَ بأشكال نساء. ولا بأشكال الحيوانات القبيحة كالكلاب والأفاعى والخنازير قال الله تعالى
{وجعلوا الملائكةَ الذينَ هم عبادُ الرَّحمٰنِ إناثًا، أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ، سَتُكْتَبُ شَهَادَتهُمْ ويُسْأَلون} الزُّخْرُف/19
وأما الجِنُّ فلم يزلِ النَّاسُ يرَونهم متشكِّلينَ بأشكالٍ مختلفة
والله سبحانه وتعالى أعلمُ وأحكم..