بعض المجسمة المشبهة وصفوا الله بأنه نور بمعنى الضوء والعياذ بالله، وهذا ضلال. فالله لا يجوز عليه أن يكون ضوءاً لأن الله منزه عن مشابهة المخلوقات.قال تعالى ليس كمثله شىء.
قال ابن السيد البطليوسي (521 هــ.) وهو عالم أندلسي كبير، في تنزيه الله تعالى: “ومما غلطت فيه المجسمة أيضاً في تفسيرهم قول الله تعالى “الله نور السماوات والأرض”، فتوهموا أن ربهم نور (أي بمعنى الضوء)، تعالى الله عن قول الجاهلين علواً كبيراً، وإنما المعنى الله هادي أهل السموات (أي من الملائكة) والأرض (أي من مؤمني الإنس والجن). والعرب تسمّي كلَّ ما جلّى الشبهات وأزال الالتباس وأوضح الحق نوراً، قال الله تعالى “وأنزلنا إليكم نوراً مبيناً” يعني القرآن، وعلى هذا المعنى سمّى (الله) نبيّه صلى الله عليه وسلم “وسراجاً منيراً” وقال العباس بن عبد المطلب يمدح النبي صلى الله عليه وسلم
“وأنت لما ظهرتَ أشرقَت الأرض وضاءت بنورك الأفق”، وعلى هذا مجرى كلام العرب. اهـ.
وفي تفسيرالآية “اللهُ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ” [سورة النور/35] مَعنَاهُ أنَّ اللهَ تَعالى هَادِي أهْلِ السَّمواتِ والأَرْضِ لنُورِ الإيْمانِ، رَوَاهُ البَيهَقيُّ عن عَبدِ اللهِ بنِ عبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهُما، أي أن الله هو يهدي الإنس والجن المؤمنين في الأرض وهو الذى هدى الملائكة الذين في السموات، فَالله تعَالى ليسَ نُورًا بمَعنى الضّوْءِ، بلْ هوَ الذي خَلَقَ النُّورَ بمعنى الضوء، قَالَ تَعَالى:”وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ” [سورة الأنعام/1] أي خَلقَ الظُّلماتِ وما يقابلها من النور، فكيفَ يُمكِنُ أنْ يكُونَ نُورًا كَخَلْقِه، تَعالى الله عَنْ ذَلِكَ عُلُوًّا كَبِيْرًا.
وقال بعض العلماء :الله نور السموات والأرض معناه منير السموات والأرض أي خالق النور فيهما.
قال الإمام الرازي رحمه الله: قوله تعالى: {الله نُورُ السموات والأرض} أي ذو نور السموات والأرض (اي مالك ذلك النور المخلوق والمتصرف فيه، يهدي بنوره من يشاء)، والنور هو الهداية. والحاصل أن المراد الله هادي أهل السموات والأرض وهو قول ابن عباس والأكثرين رضي الله عنهم.
وثانيها: المراد أنه مدبر السموات والأرض بحكمة بالغة وحجة نيّرة فوصف نفسه بذلك كما يوصف الرئيس العالم بأنه نور البلد، فإنه إذا كان مدبرهم تدبيراً حسناً فهو لهم كالنور الذي يهتدى به إلى مسالك الطرق، قال جرير: وأنت لنا نور وغيث وعصمة.. وهذا اختيار الأصم والزجاج.
وثالثها: المراد ناظم السموات والأرض على الترتيب الأحسن فإنه قد يعبّر بالنور على النظام، يقال ما أرى لهذا الأمر نوراً.
ورابعها: معناه منوّر السموات والأرض، ثم ذكروا في هذا القول ثلاثة أوجه: أحدها: أنه منوّر السماء بالملائكة والأرض بالأنبياء، والثاني: منورها بالشمس والقمر والكواكب، والثالث: أنه زيّن السماء بالشمس والقمر والكواكب وزين الأرض بالأنبياء والعلماء، وهو مروي عن أبي بن كعب والحسن وأبي العالية. والأقرب هو القول الأول لأن قوله في آخر الآية : {يَهْدِي الله لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ} يدل على أن المراد بالنور الهداية إلى العلم والعمل.ا.هـ. فتبيّن مما تقدم من كلام اهل العلم ان الصحابة فمن بعدهم لم يقل منهم أحد إن النور بمعنى الضوء من صفات الله، وأن القائل بذلك هم المشبهة لله بخلقه والعياذ بالله، وقد خالفوا ببدعتهم الضلال هذه ما اشتهر عن ابن عباس في ذلك، فبطل ما يزعمونه من اتباع السلف الصالح.